للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

توزيعا واسعا شاملا لكل نقاطه ومواضعه. فمن بداية هذا الجهاز -ونعني بذلك الحنجرة- جاءت الهمزة والهاء، ومن نهايته -وتتمثل في الشفتين- جاءت الباء والميم. ومن بين هاتين المدرجتين خرجت بقية الأصوات العربية مندرجة في شبه سلسلة متصلة الحلقات، بحيث لا يقع ازدحام في منطقة أو مناطق، ولا يحدث إهمال لبعضها. فهناك بعد الحنجرة، يقع الحلق ومنه العين والحاء، ثم اللهاة ومنها القاف ثم أقصى الحنك ومنه الغين والخاء والكاف والواو، ثم وسطه ومنه الياء، وهكذا من نقطة إلى أخرى، تخرج أصوات معينة، دون تجاوز لمبدأ التدرج المنتظم الخالي من ظاهرة التجمع عند منطقة وترك أخرى دون استغلال.

نحن لا ننكر أن جهاز النطق عند الإنسان لا يختلف في جملته أو تفصيله من أمة إلى أخرى، أو من فرد إلى آخر، ما لم يكن به عيب خلقي عند هذا أو ذاك. إنما الفرق بين الأمم في هذا المجال يرجع إلى طريق توظيف هذا الجهاز واستغلاله. وأسلوب هذا التوظيف وطريق هذا الاستغلال يؤديان حتما إلى فروق صوتية مميزة، تختلف في القلة والكثرة والصفة بحسب الأحوال. على أن التفاوت بين اللغات في استغلال جهاز النطق لا يعني أن لغة ما أفضل من أخرى؛ إذ إن مسألة الأفضلية هذه مسألة نسبية، إذ ربما يتدخل فيها الذوق الشخصي والنظر غير العلمي أحيانا. ولكن مما لا شك فيه أن نتائج الاختلاف في توظيف هذا الجهاز في النطق يؤدي -بالضرورة- إلى حصيلة من الملامح الصوتية التي تمتاز بها اللغات بعضها من بعض وهذا ما قصدنا إلى إثباته في هذا المجال.

ويرتبط بهذا التوظيف لجهاز النطق في العربية أمور أخرى تضاف إلى جملة الخواص الصوتية للغة العربية.

من ذلك مثلا أن جملة كبيرة من أصوات هذه اللغة يقع بعضها من بعض موقع التقابل أو التناظر. فهناك نلمح أن بعض الأصوات تصدر عن مخرج

<<  <   >  >>