للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نطقي واحد، ولكنها -على الرغم من اشتراكها في هذه الدائرة- تختلف فيما بينها بسمة أو بأخرى تجعل كل واحد منها صوتا مستقلا، له دور في تركيب المقطع أو الكلمة، وفي دلالة هذه الكلمة ووظيفتها.

فالهمزة والهاء منطقتهما النطقية واحدة، ولكن يختص كل واحد من الصوتين بملمح ينفرد به، يؤهله للاستقلال والكيان الخاص، فالهمزة وقفة انفجارية، أو صوت شديد في اصطلاحهم في القديم، والهاء احتكاكي أو رخو، ومن ثم سار كل صوت في طريقه يؤدي دوره في اللغة، فلدينا مثلا "آب" و"هاب" افترقت الكلمتان وصار لكل منهما معنى مستقل بسبب وجود الهمزة في الكلمة الأولى والهاء في الثانية.

وهناك أيضا العين والحاء وهما جميعا من منطقة الحلق، ويتفقان أيضا في كيفية مرور الهواء عند النطق بها، ولكن العين صوت تتذبذب الأوتار الصوتية عند نطقه، والحاء لا تحدث معه ذبذبة من أي نوع، فكان الأول مجهورا والثاني مهموسا. وهذه السمة فرقت بينهما ورشحت كلا منهما للاستقلال، بدليل أننا نقول: "عور" و"حور" بمعنيين مختلفين تماما. وذلك -كما هو واضح- إنما يرجع إلى وجود العين في الأولى والحاء في الثانية ومثل هذا الذي نقول ينطبق بتمامه على الذال والثاء: فهما مما بين الأسنان واحتكاكيان، ولكن الذال مجهور والثاء مهموس، ومن ثم كان الفرق في نحو: "ذاب" و"ثاب" بمعنيين مستقلين.

وهذا مثال آخر يشرح صفة التقابل هذه بين أصوات العربية: التاء والطاء مثلا صوتان يتفقان في المخرج وفي صفة الوقف والانفجار والهمس، ولكن عملية فسيولوجية معينة تحدث عند النطق بالطاء فتجعلها صوتا مفخما، وهذا التفخيم له دور ووظيفة، إذ هو الملمح الوحيد الذي يميز الطاء من التاء، ويمنح هذه الطاء كيانا خاصا تستطيع أن تؤدي وظيفة لغوية تختلف عن تلك المدة التى

<<  <   >  >>