وهناك في العربية كذلك صوت القاف الذي يندر أن تجد له نظيرا فيما نعرف من لغات، باستثناء الساميات التي تعد العربية واحدة منها، كما هو معروف، وإذا اضطر من تخلو لغته منها إلى نطقها حولها إلى صوت الكاف أو ما أشبه، حتى إنك لتسمع هذا النطق الخاطئ ذاته في نطق غير المثقفين من العرب أنفسهم عندما يحاولون استخدام كلمة فصيحة بعينها في كلامهم اللهجي العادي.
أما العين فهو صوت لا وجود له في اللغات الأوربية، وإذا حاول واحد من أصحاب هذه اللغات استخدامه انتقل إلى استخدام الهمزة بدلا منه. ومن الطريف أن نعلم أن بعض الدارسين في الغرب يرى أنه من الأنسب أن تسمى العربية "لغة العين" بدلا من قولنا "لغة الضاد" وهم في ذلك واهمون، لأن العين -وإن لم يوجد في اللغات الأوربية- صوت معروف مقرر في اللغات السامية.
ويأتي صوت "الضاد" على قمة السمات الصوتية التي تنفرد به اللغة العربية. وذلك أن هذا الصوت -بوصفه وحدة صوتية ذات قيمة ووظيفة في تركيب الكلمة ودلالتها- ليس له وجود على الإطلاق في أية لغة معروفة لنا على وجه الأرض١. نعم، ربما نسمع صوتا يشبهه أو يماثله في بعض الكلمات في لغات معينة، كما في نحو: bud و mud في اللغة الإنجليزية. ولكن هذا الذي نسمعه في مثل هذه الكلمات الإنجليزية ليس ضادا أو قل: ليست له قيمة الضاد العربية. إن الذي نسمعه في هاتين الكلمتين، إنما هو صوت "d" الدال، ولكنه نطق مفخما فأشبه ضادنا في النطق، ولكن شتان بين الصوتين في القيمة والوظيفة. فضادنا صوت مميز للمعاني، كما يظهر ذلك مثلا عندما
١ نعني بالعربية هنا العربية الشمالية والعربية الجنوبية معا. وإذا كان هناك أثر لهذه الضاد في اللغة الحبشية، فإنما هو من قبيل التأثير والتأثر أو الاقتراض اللغوي، كما في مثل "dahay بمعنى الشمس والضحى" والمثال نفسه دليل هذا الاقتراض.