للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل هذا الذي قررنا من القلة العددية للحركات العربية وما يتبع ذلك من ضعف احتمال تعرض هذه الحركات للتغير والتبدل، يفسر لنا ذلك السر الفريد الذي تختص به عربيتنا الفصحى في ماضيها وحاضرها. ذلك أن هذه الحركات ما زالت هي هي ثابتة مستقرة بعددها وصفاتها لم يصبها تغير يذكر في تاريخها الطويل، وهذا بدوره ضمن بقاء اللغة العربية وساعدها على الاحتفاظ بخواصها الصوتية الأساسية على مر الزمن، حتى إنك لا تجد فروقا صوتية ذات شأن بين حالها في الماضي والحاضر. أما الفروق التي تلحقها في اللهجات العربية الحديثة في مجال الحركات فهي فروق فردية في أساسها ترجع إلى البيئة الجغرافية والثقافية، وهي مع ذلك فروق يسيرة في طبيعتها يمكن ردها كلها أو جلها إلى حركات اللغة الأم بصورة أو بأخرى، كما يمكن حصرها وضبطها بشيء من النظر والتأمل.

وعلى الرغم من هذه القلة النسبية في عدد حركات العربية، فإن لهذه الحركات دورا خطيرا في المادة اللغوية على كل المستويات. فهي -بالإضافة إلى دورها الصوتي المتمثل في كونها لبنات أساسية في البناء الصوتي للغة- تؤدي وظائف ذات أهمية فائقة على المستوى الصرفي والمعجمي والدلالي والنحوي جميعا. نستطيع أن نتبين هذا الدور وقيمته بذكر أمثلة قليلة توضح ما نقول.

فمن المعروف أن الكلمات العربية مادتها الأساسية تلك الأصوات المعروفة بالأصوات الصامتة أو الساكنة، كالباء، والتاء والثاء ... إلخ، ولكن هذا الأصل يلحقه تعديل وتحويل أو تحوير وتغيير بوساطة الحركات، فينتج لنا عن هذا الأصل مجموعة من الأوزان أو الصيغ الصرفية لكل منها قيمة معجمية دلالية مختلفة فالأصل المتمثل في "ع ر ض" مثلا، يمكن أن نأتي منه بطريق التغيير في الحركات بالكلمات التالية: عَرْض "بفتح العين وسكون الراء" ومعناه ضد الطول أو هو مصدر عرض يعرض، وعِرْض "بكسر العين"

<<  <   >  >>