للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد صرح علماء العربية أنفسهم بهذا المعنى فحكم الهمزة عندهم "كحكم الحرف الصحيح في تحمل الحركات"١، فهي إذن في أحكامها الصوتية والكتابية مثل الباء، والتاء ... وغيرهما من الصوامت، ومن ثم وجبت معاملتها معاملة هذه الأصوات من حيث كتابتها وتصويرها بالرسم فكما يكتب صوت الباء، والتاء، بالباء أو التاء دائما -أي: بقطع النظر عن موقعها الصوتي- وجبت كتابة الهمزة ألفا دائما كذلك٢.

أما إذا كنا من أصحاب التخفيف في الهمزة دائما "كأن يكون ذلك من خواص لهجة معينة" أو أحيانا "كما قد يحدث في بعض الصيغ أو المستويات الكلامية"، فالأمر حينئذ مختلف تماما. إننا في هذه الحالة يجب أن ندرس الموجود بالفعل. سواء أكان ذلك الموجود ياء أم واوا أم ألف مد، لأنا حينئذ لا نتعامل مع الهمزة، وإنما مع شيء مختلف عنها تماما من الناحية الصوتية في الأقل. إن التخفيف في نظرنا تخفيف لا همز. ويجب أن ينظر إليه دائما بهذه الصفة، لأنا في منهج الوصف نعني بالموجود أو بما هو كائن لا بما كان، أو بما يفترض أنه كان.


= عادة العرب في ذلك، كما هو واضح من النص السابق لشارح المراح وكما هو نص على ذلك أيضا ابن جني في خصائصه "جـ٣ ص١٢٤"، وتنضم إليهما ألف المد في هذه الحالة الأخيرة. والتعبير "بصامت" ليعني كل صوت ليس بحركة تعبير دقيق إذ هو يصف خاصة من الخواص الأساسية لهذه الأصوات، وهي ضعف الوضوح السمعي إذا قيست بالحركات التي تتسم بقوة الوضوح السمعي نسبيا. ومن هذا نرى أيضا أن علماء العربية قد أجادوا في وصفهم حروف المد "الحركات الطويلة" بالحروف المصوتة، إشارة إلى ما فيها من وضوح سمعي، ولكن فاتهم أن يطلقوا هذا الوصف صراحة على الحركات القصيرة، إذ هي أبعاض الحركات الطويلة "= حروف المد"، فما أطلق على الكل يجوز تطبيقه على الجزء بداهة. على أن التوسع في إطلاق المصطلح "مصوت" ليشمل الحركات طويلها وقصيرها مفهوم من نص شارح المراح السابق "= الحركات أبعاض المصوتات" كما يفهم أيضا من كلام ابن سينا، عندما يقول مثلا: "والواو المصوتة وأختها الضمة ... " انظر في هذا الموضوع. أسباب حدوث الحروف لابن سينا، بتحقيق محب الدين الخطيب، مطبعة المؤيد ١٣٢٢هـ، ص١٣.
١ مراح الأرواح ص٩٨.
٢ وإنما تكتب بالألف بالذات لأنه صورتها الأصلية.

<<  <   >  >>