وفي الحق أن علماء العربية قد خلطوا في قواعد الهمزة "من تحقيق وتخفيف وقلب، وإبدال ... إلخ" خلطا واضحا. وأساس هذا الخلط أنهم يعدون التخفيف وإخوته عارضا يعرض للهمزة، وربما يعدونه الهمزة بادية في صور مختلفة. وكان من نتيجة ذلك وجود عدد ضخم من الأحكام المتضاربة التي تتعلق بها وأحوالها، ولسنا لذلك مع ابن جني في قوله: أما انقلاب الهمزة "في بعض أحوالها لعارض يعرض لها من تخفيف أو بدل فلا يخرجها من كونها حرفا، وانقلابها أول دليل على كونها حرفا"١ أي: حرفا مستقلا قائما بذاته هو همزة. فالهمزة -في رأينا- لم تقلب، وإنما الذي حدث هو أنها لم تنطق، وإنما نطق شيء آخر هو ياء، أو واو المد.
والذي عكر الصفو على ابن جني، وغيره من علماء العربية، هو اهتمامهم الكبير بالأصول الاشتقاقية للكلمات، وافتراضهم وجوب وجود هذه الأصول في كل الصيغ المتفرعة عنها. فوجود الهمزة في "خطيئة" مثلا كان يوجب وجودها في "خطايا". فعدم وجودها إذن إنما هو لعارض عرض لها، وقد تكلفوا هم بتوضيح هذا العارض وأمثاله في بحوثهم. على أن المسألة في حقيقتها أيسر من هذا بكثير: كلما وجدت الهمزة فهي همزة، وإلا فالموجود بالفعل هو الذي يؤخذ في الحسبان، أيا كانت صورته الصوتية.
كل ما تقدم خاص بالشق الأول من القضية، وهو أن الألف في الأصل هو الهمزة "الوقفة الحنجرية". أما الشق الثاني وهو أن الألف في المراحل الأولى لم يكن يعني ما يسمى ألف المد فيما بعد أو ما يسمى الآن الفتحة الطويلة "aa"، كما في نام مثلا، فسوف تتبين حقيقة الأمر فيه من المناقشة التالية التي سوف نتناول فيها المرحلة الثانية من مراحل استعمال "الألف" وتطور مدولاتها.