وتحديد "نوعية اللغة" يخضع في نظرنا لمبدأين اثنين متصلين غير منفصلين هما:
١- المبدأ التربوي المقرر الذي ينص على وجوب الانتقال من المعلوم إلى المجهول في عملية التعليم بعامة، ويضمن لنا هذا المبدأ أن ينطلق المتعلم من أرض صلبة تمكنه من الترقي والتدرج في رحلته التعليمية في تأن ونجاح مؤكد. كما يحميه من الوقوع في متاهات أو آفاق مجهولة تعوق مسيرته وتحرمه من استغلال طاقاته وقدراته الذاتية في اكتشاف طريقه نحو اكتساب مزيد من الخبرات والمعارف.
٢- المبدأ التقليدي العام أو المقرر بين الأمم الذي جرى -وما يزال يجري- على أن تكون اللغة التي تقدم للتلاميذ في أية مرحلة هي اللغة القومية، تلك اللغة التي تخلو أو تكاد تخلو من الطابع المحلي أو البيئي، والتي تنسب إلى القوم بعامة وتستخدم في تسجيل معارفهم وثقافتهم الأصلية، وتربط حاضرهم بماضيهم وتأخذ بيدهم نحو مستقبل أكثر ازدهارا وتقدما.
ومن الواضح أن الأخذ بالمبدأ الأول وحده يقتضي أن تكون اللغة المختارة في المرحلة الأولى من التعليم هي العامية، لأنها هي الصيغة المألوفة للتلاميذ في هذه المرحلة، كما أن الانحياز نحو المبدأ وحده يعني أن تكون تلك اللغة هي العربية الفصحى، لأنها لغة القوم أو الأقوام المعروفين بالعرب. أما التمسك بالمبدأين معا "كما هو المفروض"، ففيه صعوبة ظاهرة، ويحتاج إلى تخطيط دقيق ودراسة عميقة لأنه ينتظم أمرين يبدوان متناقضين، أو متباعدين غير متقابلين، أحدهما يذهب بنا شمالا والآخر يتجه بنا نحو اليمين أو العكس بالعكس، ومعنى هذا أننا أمام "معادلة صعبة" كما يقولون.
وربما كانت هذه المعادلة واحدا من الأسباب الرئيسية التي قد تغري