٣- هذا الذي يحدث للفصحى ينتج منه القضاء على مقومات الوحدة الثقافية والفكرية والسياسية بين العرب. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا بكل تأكيد.
على أن الأمر لا يقف عند هذا الحد. إن اختيار العامية للأخذ بها في مراحل التعليم الأولى "وغيرها بالطبع" يوقعنا في محظور آخر، فالبلد العربي الواحد لا يقتصر التعامل اللغوي فيه على لهجة واحدة. وإنما هناك عدد من اللهجات التي تختلف فيما بينها، بسبب العوامل الجغرافية أو الثقافية أو غيرها، فلدينا في مصر مثلا لهجة أو عدة لهجات بالوجه البحري، وكذلك الحال في الصعيد، وهناك من جانب آخر في أي من هاتين المنطقتين الجغرافيتين الكبيرتين ألوان من الكلام وأنماط الحديث التي يستطيع الباحث المدقق أن يصنفها إلى ما يمكن أن نسميه بلهجة العوام ولهجة المتنورين ولهجة المثقفين.
وهنا نجد أن الآخذ بمبدأ اللهجات نفسه في متاهة واضطراب حيث لا يستطيع علميا أن يحسم الأمر، فيفضل لهجة على أخرى، لأن أسس الاختيار أو التفضيل تساعده والقول باختيار العناصر العامة أو المشتركة بين هذه اللهجات قول نظري، يحتاج قبل الإقدام على تطبيقه إلى دراسات طويلة شاقة، وهو أمر -بطبيعة الحال- يحتاج إلى وقت طويل ومال كثير حتى نستطيع إنجازه بصورة علمية مقبولة. والحق أن هذا الاتجاه يعد في نظرنا خطوة على الطريق السليم نحو إصلاح تعليم اللغة العربية من شتى جوانبه، ومن هذه الجوانب تحديد نوعية اللغة في المراحل الأولى، ذلك لأن الكشف عن العناصر المشتركة أو النماذج اللغوية الشائعة في البيئة المعينة عامل من عوامل تحديد النطاق الذي ندور فيه نحو تعيين الصيغة اللغوية المناسبة لهذه المراحل. كما سوف يتبين لنا فيما بعد.