هنا احتمالان -لا ثالث لهما- للإجابة عن هذا السؤال.
الاحتمال الأول:
قد يرى بعضهم أن ينطلق كل بلد عربي من لهجته الخاصة به، فهي أطوع لأبنائه، وأكثر ألفة، وأقرب منالا من الصيغ اللغوية الأخرى. وهي بذلك تمده بوسائل التعبير عن ذاته وتكشف عن معارفه وخبراته، ومن ثم يقدر لنا أن نستغل طاقاته وقدراته بتقديم المزيد من المعارف والخبرات، كلما تدرجنا به في سلم التعليم والتثقيف.
وهذا الاحتمال -إذا أخذ على إطلاقه- مردود وغير مقبول في نظرنا لأسباب متعددة مترتب بعضها على بعض، منها:
١- اللهجات العامية في البلاد العربية يختلف بعضها عن بعض اختلافا واضحا على المستويات الصوتية والصرفية والنحوية -واستخدامها في أية مرحلة من مراحل التعليم من شأنه أن يوسع من دائرة هذا الاختلاف، ويمنحها عوامل قوية تؤدي إلى التفريق والتنويع بصورة أشد وأكثر عمقا. وليس من البعيد -في هذه الحالة- أن تأخذ كل لهجة طريقها الخاص بها وتثبت قواعدها ونظمها حتى تستقل بنفسها وتصبح لغة قائمة بذاتها على مر الزمن. وليس هذا الأمر مستحيلا أو خيالا بالنسبة للتطور اللغوي وطبيعته. لقد حدث هذا في عديد من اللغات، كاللاتينية التي ساعدت الظروف السياسية والثقافية على التباعد بين لهجاتها حتى صارت لغات مستقلة ذات خواص مميزة تبعد قليلا أو كثيرا عن اللغة الأم.
٢- يترتب على هذا الموقف انعزال الفصحى وإبعادها عن مسرح الحياة، وقد يؤدي إلى إضعافها أو القضاء على مقوماتها الأساسية بصورة أو بأخرى.