للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من ذلك مثلا ما نعلم وقرره الجمهور من أن كسر اللام بالجر من "رسوله" في قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} خطأ صراح. بل لقد روي أن هذه القراءة كانت من أسباب قدوم أبي الأسود على وضع النحو، على حين أن بعضا من الدارسين جوز هذا الكسر على أساس أن الواو هنا للقسم لا للعطف. ومن المعلوم لنا أن بعض أمثلة هذا التأويل أو التقدير مبنية على أسس غير مسموعة من العربي صاحب اللغة ومصدرها الحقيقي، وإنما جرى تحليلها على أسس ذهنية افتراضية أو وفقا لوجهات نظر خاصة يتعسفها الدارسون القدامى أحيانا. ومن حسن حظهم أن خاصة المرونة التي تتسم بها قواعد العربية تغريهم بهذا السلوك من وقت إلى آخر، ولا يعنيهم بعد ذلك إن تغيرت المعاني أو اضطربت بمثل هذا المنهج.

٣- يتبع هذين السببين سبب ثالث يتمثل في تعدد درجات الصحة وإمكانية القبول للأحكام والضوابط التي رسموها، فهناك الصحيح باتفاق والمختلف في صحته، وهناك الضعيف والشاذ. وهناك ما يجوز في الشعر ولا يجوز في النثر. وهذا أمر -كما هو واضح- يضع الدارس أحيانا في حيرة بالغة، إذ قد يصعب عليه الاختيار أو التفضيل بين وجه وآخر أو درجة وأخرى من درجات الصحة أو القبول في كل حال ومثال. بل ربما دفعه ذلك إلى تجويز كل ما يقابله من مادة. على أساس أنه لا يعدم أن يجد لها أو لأمثلتها وجها أو تفسيرا أو تخريجا يستند إليه في الحكم، بل ربما تستقر في ذهنه المقولة المشهورة الصادقة غير الصادقة" "لا يخطئ نحوي قط".

٤- باستثناء الإعراب، لم يهتم علماء العربية الاهتمام الكافي بالنسبة للجوانب الأخرى للنظم أو نظام الجملة، حتى إن الإنسان ليحار أحيانا في الحكم بالصواب أو الخطأ على هذا المثال أو ذاك من حيث جوانب الاختيار

<<  <   >  >>