والموقعية والمطابقة، لا ننكر بحال أن هذه الجوانب قد عولجت بصورة ما في كتب النحو والبلاغة، ولكن ذلك جاء بطريقة ينقصها الاستقصاء والتصنيف واستخلاص القواعد العامة لكل باب وتجميعها في إطار علمي ذي حدود مرسومة. والحق أن جل ما جاء من ذلك من كتب التراث إنما كان لخدمة الإعراب أو بدافع منه.
٥- قواعد العربية وضوابطها -شأنها في ذلك شأن قواعد أية لغة- تتصف بالعموم لا بالشمول، أي: أنها لا تنسحب بالضرورة على كل مثال أو مقول أيام التقعيد وقبله. وأغلب الظن أنه كانت هناك أمثلة أو أنماط من التراكيب أو صور من الكلام لم تؤخذ في الحسبان عند التقعيد لسبب أو لآخر، على الرغم من أهليتها للنظر والدرس بوصفها كلاما عربيا ذا خواص مقبولة في بيئته، وذلك -في رأينا- أساس من أسس ترشيح هذا الكلام للأخذ به أو تقعيده. ودليل وجود مثل هذا الكلام المهمل تقعيده تلك الإشارات السريعة التي تقابلنا من وقت إلى آخر في كتب اللغة، منبئة عن وجه أو قاعدة جريئة في لهجة من اللهجات أو ضرب من أساليب الكلام.
إذا قبل هذا الظن -وهو جدير بالقبول- جاز لنا أن نقول لعل أمثلة من الجديد في عربية اليوم تنزع إلى ذاك القديم الذي لم تسجل قواعده أو سجلت وخفيت علينا أو على بعض منا.
كل هذه الأسباب التي تقف أمام الأخذ بالقواعد المسجلة جملة وتفصيلا، بكل ما تنتظمه من اضطراب وما تتسم به من تعدد في الآراء والتوجيهات والافتراضات تحتاج منا إلى النظر الدقيق في اختيار الأحكام وتطبيقها عند البحث في قضية الصواب والخطأ. ومنهجنا هنا هو الأخذ بما صح عند الجمهور وكان مبنيا على أساس واقعي خاليا من التأويل والافتراض أو التعسف في