ثانيهما: نود أن نزيح الوهم بأن الإعراب ليس عضوا من عناصر نظام الجملة، إن الإعراب الصحيح هو دليل السبك الصحيح، وأن المخطئ في وجوهه غير مدرك -لا محالة- لوسائل البناء وأداته. وقديما قالوا: الإعراب دليل الموقعية. ولعل هذا هو سر اهتمام العرب به اهتماما كبيرا، لأنه نهاية المطاف والحصيلة المحسة للجوانب "التوليفية" الأخرى للتركيب. ولا يعترض علينا بعدم اهتمام عبد القاهر الجرجاني به بصورة تشبه أو تقرب من اهتمامه بالوجوه الأخرى للنظم. ذلك أن عبد القاهر في مسلكه هذا كان ينعى على الدارسين اهتمامهم بالإعراب بمعنى مجرد النظر في أواخر الكلم إعرابا وبناء، دون كبير عناية بوسائل التأليف الأخرى التي هي في الواقع بمثابة الروافد أو العناصر التي تصنعه.
ونحن بهذا النهج نكون قد فسرنا "نظام الجملة" بما يعني مفهوم "النحو" ووظائفه بالمعنى العلمي الدقيق. فليس النحو الإعراب كما وهم كثير من متأخري النحاة، وكما سار على ذلك معظم المشتغلين بهذا العلم ومسائله في معاهدنا وجامعاتنا، وهو الأمر الذي أساء إلى النحو تعليما وتعلما واستيعابا واستخداما وتطبيقا. ولقد كان البلاغيون أكثر توفيقا وأقرب إلى الصحة حين ركزوا جهودهم في "علم المعاني" على التراكيب وخواصها "التوليفية" تاركين الإعراب أو راغبين عن الدخول في مسائله لا لعدم أهميته، وإنما لافتراضهم تحققه ووجوده على وجهه الصحيح عند النظر في الوجوه الأخرى للتركيب أو نظام الجملة، أو للابتعاد عن الجدل العقيم الذي وقع فيه النحاة المحترفون حول الإعراب، أو للاعتراض السلبي على مسلك هؤلاء النحاة في هذا الشأن.
ورأينا في هذه المشكلة -وهي جد مهمة- أن نعدل من أسلوب تدريسنا للنحو، فنعمد إلى التراكيب ونصنفها إلى أنماطها المختلفة، ثم نقوم بعد ذلك بتحليلها في إطار الجوانب الأربعة المذكورة سابقا، والتي تمثل