للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضم كلمة إلى كلمة وبناء لفظة على لفظة"١.

ولم يشأ عبد القاهر بعد ذلك أن يضيف شيئا من شأنه أن يبين تفاصيل الاختيار وطرائقه وأنماطه وكيف تكون هذه الأنماط، ولو بذكر أمثلة منوعة ومصنفة على وفق هذه الطرائق والأنماط. هذا بالإضافة إلى أنه كان يشغل نفسه بنوع من الاختيار، وهو اختيار الأجود والأفضل حتى تتم بلاغة الكلام، على حين أنا نقصد به إلى مجرد اختيار العناصر التي يصح بها الكلام من الوجهة التركيبية المحضة. ودليل انشغاله بفكرة "انتقاء" الأفضل والأجود هذه، قوله: "هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في الدلالة، حتى تكون هذه أدل على معناها الذي وضعت له عن صاحبتها على ما هي موسومة به حتى يقال: إن "رجلا" أدل على معناه من "فرس" على ما سمي به؟ وحتى يتصور في الاسمين الموضعين لشيء واحد أن يكون هذا أحسن نبأ عنه وأبين كشفا عن صورته من الآخر، فيكون "الليث" مثلا أدل على "السبع" المعلوم من "الأسد"٢.

كذلك ربط عبد القاهر "الاختيار" بالموقعية. وأدرك ما بينهما من تلازم، إذ هما يكونان نظرية النظم عنده. يقول في ذلك "على الرغم من أنه لا يزال يضرب على وفاق حرفته التي تتمثل في مراعاة الأفضل والأجود": "وهل يقع في وهم -وإن جهد- أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه من التأليف والنظم بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة وتلك غريبة وحشية أو أن تكون حروف هذه أخف وامتزاجها أحسن وما يكد اللسان أبعد؟ وهل تجد أحدا يقول هذه اللفظة فسيحة إلا وهو يعتبر


١ عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز ص٣٠ مطبعة الفتوح، سنة ١٣٣١هـ بالقاهرة.
٢ دلائل الإعجاز ص٣٠.

<<  <   >  >>