للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكانها من النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها"١.

وشأن عبد القاهر هنا شأنه في الحالة السابقة، حيث أوجز الكلام إيجازا "وهو كلام نظري في جملته مكرر في أكثر من موضع في كتابه"، فلم يأت بتفاصيل مبينة أو أمثلة موضحة لكيفيات استعمال الكلام في إطار عنصري نظريته، الاختيار والموقعية. ولسنا ندعي أننا قادرون في هذا البحث على أن نأتي بالبدع أو بما لم يأت به الأولون والآخرون، وإنما سنحاول جهد الطاقة أن نلقي ضوءا على فكرة الاختيار هذه عن طريق مناقشاتنا لبضع صوره وأمثلته التفصيلية، كما التقطناها التقاطا من أخطاء الطلاب في هذا المجال.

والملاحظ أن الطلاب "وغيرهم من المثقفين" يخرجون في كلامهم "المنطوق والمكتوب" على قواعد الاختيار٢ المألوفة في اللغة الفصيحة خروجا يسترعي النظر ويقتضي منا وقفة متأنية قبل إصدار الحكم على هذا السلوك اللغوي الجديد. إن الناظر المدقق في عربية اليوم لا يكاد يجد جملة أو عبارة تخلو من اختيار كلمة أو صيغة٣ لم تألفها هذه الفصيحة في استعمالاتها "التقليدية" أو لم تجد نوعا من التساؤل أو الاعتراض من بعض الدارسين. والحق أننا لو نظرنا إلى هذه "التجاوزات" "وما أكثرها! " بنظرة حرفية ملتزمة


١ دلائل الإعجاز ص٣٠.
٢ ليس للاختبار في العربية قواعد مدروسة ذات انضباط وتحديد واضحين، على النحو الذي جاءت به قواعد الإعراب مثلا، وإنما هناك نماذج من الاستعمال محفوظة يدركها أهل النظر ويتعرفون عليها بالخبرة والممارسة. وأساس هذه المعرفة النصوص الأدبية الأصيلة، أو أقوال المعجمات أو الإشارات الخفيفة المتناثرة هنا وهناك في كتب الصرف والنحو والبلاغة ... إلخ.
٣ الكلمة في هذا الباب والبابين التاليين تعني "اللفظة" دون تحديد لجنسها الصرفي. أما الصيغة فهي الكلمة محددة الجنس الصرفي والوظيفة النحوية، أهي اسم أم فعل، فعل ماض أم مضارع، أم هي أداة ... إلخ.

<<  <   >  >>