يسرع وجاءني وهو مسرع أو هو يسرع، وجاءني قد أسرع وجاءني وقد أسرع. فيعرف لكل من ذلك موضعه ويجيء به حيث ينبغي له. وينظر في الحروف التي تشترك في معنى ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصيته في ذلك المعنى، فيضع كلا من ذلك في خاص معناه، نحو أن يجيء بما في نفي الحال وبلا إذا أراد نفي الاستقبال، وبأن فيما يترجح بين أن يكون وألا يكون، وبإذا فيما علم أنه كائن١". والكلام على "الموقعية" له مكان في أعمال النحاة والبلاغيين، وإن جاء ذلك بطريقة ينقصها الاستقصاء والحصر والتصنيف إلى أنماط بحسب السمات التركيبية للجمل، كما ينقصها التوضيح في باب أو أبواب خاصة بها. وإنما جاء ذكرها في هذه الأعمال متناثرا هنا وهناك: ففي باب الفاعل شيء وفي المبتدأ والخبر أشياء، وفي المفعولات نظرات وفي الحال والتمييز لمحات وفي التوابع إشارات، ومن ثم كان على الدارس أن يجري وراء هذه الأبواب ويلهث في البحث عن ضالته التي ربما لا يسعفه الحظ في العثور عليها، على الرغم من أنها قد تكون مبثوثة أو محشورة في إشارة جانبية في شرح أو حاشية أو تعليق. هذا بالإضافة إلى أن النحاة المحترفين لم يعنوا بالإشارة إلى أهمية الموقعية في تأليف الكلام، وإن كانت هناك إشارات جيدة إلى ذلك في بعض أقوال البلاغيين من أمثال عبد القاهر الجرجاني الذي يلخص هذه الأهمية بقوله:
واعلم أن لا محصول للكلام "غير أن تعمد إلى اسم فتجعله فاعلا لفعل أو مفعولا أو تعمد إلى اسمين فتجعل أحدهما خيرا عن الآخر أو تتبع الاسم اسما على أن يكون الثاني صفة للأول أو تأكيدا له أو بدلا منه، أو تجيء باسم بعد تمام كلامك على أن يكون الثاني صفة أو حالا أو تمييزا، أو تتوخى في كلام هو لإثبات معنى أن يصير نفيا أو استفهاما أو تمنيا فتدخل عليه
١ عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز ٤٨ مطبعة الفتوح ١٣٣١هـ.