الآخرين، بالإضافة إلى محصول الدارس نفسه ومخزون معارفه وثقافته. ثم يقلب هذا الدارس كل ذلك في فكره العربي في إطار شخصيته وموقعه، حتى تستقر لديه حصيلة معرفية أصيلة يستطيع -إن شاء- أن يعبر عنها باللغة العربية في سهولة ويسر، شريطة أن يكون مسيطرا على أدوات التعبير بها.
ومعنى هذا أن التعبير اللغوي العربي يولده التفكير العربي، فإن الإنسان يعبر باللغة التي يفكر بها. إنك إن أعملت فكرك باللغة العربية كتبت بها واستطعت أن توظفها إذا شئت، وأنى شئت. والذين يوظفون اللغات الأجنبية أو يفضلون توظيفها في أعمالهم العلمية هم واحد من اثنين، إما أنهم يفكرون بهذه اللغات، وإما أنهم يختارون الطريق السهل، وهو مجرد نقل مادة جاهزة باللغات الأجنبية، وتكون المسألة حينئذ أشبه باستيراد "فيلم" صنع في بلد ما وعرض على "شاشاتنا"، بصورته ومضمونه أو بمبناه ومعناه، دون أن يكون لنا دور في هذا العرض سوى التسلية وتزجية الفراغ، وربما ضياع الوقت أيضا.
ومعلوم بالضرورة، أن التفكير العربي المولد للتعبير بالعربية يحتاج إلى مخزون عقلي من هذه اللغة وحصيلة من نظمها وأساليبها مناسبة للتخصص أو العلم المعين. فإذا كان هذا التخصص أو ذاك العلم جديدا بالنسبة للدارس أو غير مستقر الأصول عنده، فلا مناص له من العود إلى لغة الأصل والتفكير بها، حتى يستوعب ويهضم، ثم يخرج -بعد- ما يستوعب ويهضم في عبارات عربية.
ومهما يكن الأمر، فالتعريب لغويا فقط أو لغويا وفكريا، له أنصار ومعارضون، ولكل فريق حججه ومسوغات اتجاهه. ونحن كما ألمحنا سابقا من أنصار "التعريب" شريطة أن يكون التعريب تعريبا فكريا ولغويا معا. أما حججنا لوجوب تعريب الفكر فواضحة لا تحتاج إلى دليل. ويكفي أن نقرر أن تعريب الفكر فيه تخليصنا من التبعية العلمية، ومنحنا فرصة التفاعل