لا ننكر أن بعض الباحثين قد أشاروا إلى قضية تعريب الفكر هذه، ولكنها جاءت إشارات خاطفة وردت هنا وهناك في سياق الحديث عن التعريب اللغوي الذي رأوه السبيل الوحيد المفضي إلى تعريب الفكر. يقول الدكتور خليفة في بحثه المشار إليه سابقا:"هذا المدلول الحديث "مشيرا إلى تحديده السابق للتعريب".. يعني التحول من استعمال لغة أجنبية فرضت على المؤسسات العامة والخاصة إلى استعمال اللغة العربية وتأصيلها لغة الفكر والتفكير".
صحيح أن تعريب اللغة له دور لا ينكر في تعريب الفكر، إذ بين الجانبين ارتباط وثيق، ولكن هناك عوامل وعناصر أخرى كثيرة ذات فعالية غير منكورة في تنمية الفكر وتعميقه وتنوع أبعاده وجوانبه، كالخبرة والثقافة العامة وسعة الاطلاع على مصادر المعرفة العامة والخاصة، سواء أكانت هذه المعارف عربية أم أجنبية. هذه العوامل مجتمعة "وغيرها كثير" هي الأدوات الفاعلة في تحريك الفكر وتنشيطه ودفعه إلى الخلق والابتكار، بحيث يصبح قادرا على التفاعل والتعامل مع ما يجري في الحياة، والتصرف فيما يقابله أو يواجهه من مشكلات، ومن ضمنها التعريب اللغوي نفسه.
وتعريب الفكر عندنا يعني بالضرورة أن يكون للعرب دور إيجابي فاعل ذو خصوصية مميزة، لها نوع من الكيان المؤثر في السوق العلمية والفنية وجميع مجالات الحياة الإنسانية. ويتم ذلك في مجال العلوم بالمشاركة والمساهمة في النشاط العلمي بمجالاته المختلفة، كأن يكون لنا نصيب في الابتداع والابتكار أو الإضافة والتجديد أو التعديل والتطوير، أو حتى التفسير والتطويع للتطبيق السليم الراشد.
وهذه المشاركة الفاعلة وتلك المساهمة الإيجابية لا تأتي من فراغ، وإنما أساسها العمل الدائب في الاطلاع والتحصيل والاستيعاب والهضم لأعمال