ومعلوم أن هذا المؤتمر قد عقد ورتبت كل أعماله وبحوثه لمناقشة قضية التعريب بهذا المفهوم الخاص "من جميع زواياه وجوانبه" الذي حدده الدكتور خليفة بقوله: "فالتعريب في هذا المصطلح الذي يكون محور مؤتمر مجمعنا لهذا العام، يعني بالتحديد تحويل الجامعات والكليات الجامعية والمعاهد العليا التي تضم مئات الأقسام العلمية، من التدريس باللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية وغيرهما إلى التدريس باللغة العربية، واعتماد اللغة العربية لغة التدريس الجامعي والبحث العلمي والتقنيات الحديثة".
هذا هو "التعريب" ذو المفهوم الخاص الذي نظن أو يفترض أن المناقشات الجارية في الساحة العربية منذ فترة قصيرة تدور حوله تأييدا أو معارضة، وعلى الرغم من وضوح هذا المفهوم للتعريب والأخذ به عند جملة من الباحثين العارفين، فالملاحظ أن هذا المفهوم قد اقتصر على التعريب اللغوي، أي: اعتماد العربية لغة العلم تدريسا وبحثا وتأليفا بدلا من اللغات الأجنبية وهذا التفسير للتعريب تفسير جائز ومقبول بوجه من الوجوه، ولكنه لا ينفذ إلى جوهر الموضوع ولا يصل بنا إلى أعماق القضية الأساسية، قضية "التبعية" العلمية للآخرين، والسير من خلفهم والتلقي عنهم دون مشاركة فاعلة.
التعريب عندنا يعني تعريب الفكر واللغة معا، إذ الاقتصار على التعريب اللغوي علاج قاصر إذا لم يعتمد على تفكير عربي، لأن التوظيف اللغوي المحض غير الصادر عن فكر عربي قد يكون بالترجمة أو بنقل أفكار الآخرين والاقتباس منها وصوغ ذلك كله باللغة العربية. ومردود ذلك أننا نظل تابعين فكريا وإن بدا أننا مستقلون لغويا. والتبعية الفكرية هي الداء الحقيقي الذي يفرز أدواء أخرى تنخر في عظام الجسم العربي. وعلى رأسها داء التعريب اللغوي الذي توجهت إليه أنظار الدارسين، وجعلوه محور مناقشاتهم ومعاركهم، غافلين عن مصدره الذي يتولد عنه ويمده بعناصر وجوده، وهو التعريب الفكري.