نزعة الاستعلاء وتحركت في نفوسهم فكرة الامتياز. وربما يلخص هذا المسلك كله قول القائلين: إن السر في انحياز بعضهم إلى توظيف اللغات الأجنبية في العلوم وغيرها هو محاولة الاحتفاظ بأرستقراطية المهنة وإظهار "الفوقية" في السلم الاجتماعي والثقافي.
وأما ثاني هذين الوجهين فهو ذو نسب قريب من الوجه الأول ومترتب عليه نفسيا وعلميا، ذلك أن السلوك الاجتماعي -مهما تكن مصادره وأنماطه-فلا بد- إن عاجلا أو آجلا- أن يصبح تقليدا وعادة، فتستقر ملامحه وقسماته في النفس وتنفذ إلى الفكر والعقل، وتكون اتجاها نفسيا ينشد "التعريب" وتتطلع إليه كي تهيئ لنفسها بيئة على شاكلتها، تضمن لها النمو وتمنحها عوامل البقاء والاستمرارية. والنتيجة الحتمية لهذا كله فقدان روح الانتماء القومي، وإن بالتدريج، وتعويد النفس على التقليد والتبعية في مجال العلم والثقافة وحرمانها من الأخذ بأسباب الابتكار والاعتماد على النفس. وذلك -للأسف- ما نلمس بعض مظاهره وآثاره واضحة في ميدان العلوم وبعض مناحي الفكر والثقافة في العالم العربي بأجمعه.