توهموا عجزا طبيعيا فيها وعقما خلقيا في مادتها، فانصرفوا عنها وألقوا بها خارج أسوار معاهدهم واستبدلوا بها لسنا أعجمية.
ومنح العربية فرصة التفاعل في البيئات العلمية يزيد من ثروتها، وينمي محصولها، كما يساعد الدارسين على التفكير بها، الأمر الذي يؤدي إلى ألفها والتعامل بها، وبذلك ينزاح عنها توهم ضعفها واتهامها بالعجز عن ملاحقة العلوم وما يجد فيها من تطور.
٤- التعريب مطلب اجتماعي:
الإصرار على توظيف اللغات الأجنبية في العلوم قد يؤخذ دليلا على وجود نوع من النزعة إلى إظهار التفوق والامتياز، على أساس أن هذه اللغات هي لأقوام محسوبين في عداد الأمم التي ينظر إليها على أنها جديرة بالتقليد في مجالات الحياة بوجه عام وفي مجال العلوم في أقل تقدير.
وهذه النزعة -إن صح وجودها ويبدو أن الأمر كذلك- لها وجهان من الخطأ والخطر من الوجهة الثقافية والاجتماعية على المستويين العام والخاص. أما أول هذين الوجهين فيتمثل في إحداث هزة في السلوك الاجتماعي، إذ ربما تستهوي هذه النزعة بعضا من الناس -مثقفين وغير مثقفين- وتجرهم إلى السير في هذا الدرب الخادع، وينحازون -قصدا أو عن غير قصد- إلى كل ما هو مستورد أو منقول من ألوان العلم والثقافة، ويحاولون التزين أو التجمل بهذه الألوان تكلفا واصطناعا، أو ادعاء بأنهم طبقة متميزة أو أنهم قطعوا شوطا في الوصول إلى مدارج رفيعة من سلم الطبقات الاجتماعية. ومن ثم نرى هؤلاء الناس وأمثالهم يعلنون ويلحون في الإعلان عن أنفسهم باتخاذ أنماط من السلوك الاجتماعي، توحي بهذا الامتياز المتوهم. ويأتي على القمة من وسائل هذا الإعلان توظيف اللغات الأجنبية في حياتهم العامة والخاصة، والتشدق بكلمات منها مشوهة، مغلوطة نطقا واستخداما، كلما ألحت عليهم