يدعي هؤلاء أن اللغة العربية لغة جامدة غير متطورة، وقفت مادتها وقوالب التعبير فيها عند حد لا يمكنها من مواكبة العلوم الحديثة أو الوفاء بوسائلها اللغوية، وهي وسائل متجددة سريعة الخطو في الخلق والابتداع. وإيثار العربية القاصرة عن ملاحظة هذه الاستمرارية في التجديد والابتكار على اللغات الأجنبية فيه تعطيل لمسيرتنا العلمية وحرمان لنا من المشاركة الفعالة أو الأخذ بنصيب مما ينعم به الآخرون من علم ومعرفة.
والقول بقصور العربية أو عجزها عن أداء دورها في مجال التعريب قول خال من النصفة وتعوزه الحجة. هذا الادعاء في رأينا إنما يصدر عن واحد من اثنين من القائلين به، قد يدعيه إنسان تنقصه المعرفة بحقيقة اللغة وطبيعتها، وما ينبغي أن تكون عليه علاقتها بمجتمعها الذي تعيش فيه، أو يروج لها مخدوع غير حصيف، ينشد الانتصار لكل ما هو أجنبي ويرمي إلى التقليل من شأن مقوماتنا الحضارية وأدواتنا الثقافية.
ولتوضيح الأمر بالنسبة لشبهات هذين الوجهين، نقول: إن أوجه النقص والقصور في أية لغة لا ترجع إلى هذه اللغة بذاتها، بقدر ما تنسب إلى أهليها وإلى الظروف العلمية والثقافية التي تلقها وتتفاعل معها. فكلما حرص أهلوها على إمدادها بالزاد، وكلما ماجت البيئة المعينة بالنشاط العلمي والثقافي، نهضت اللغة واستجابت لهذا النشاط، وأخذت في استغلال طاقاتها من الوسائل اللغوية اللازمة للوفاء بحاجاتهم. وكلما جمد التفكير العلمي وتخلف النشاط الثقافي، ظلت اللغة في موقعها جامدة، لا تبدي حراكا، ولا تقدم زادا؛ لأنها بذلك قد فقدت عوامل النمو وحرمت من عناصر النضج. إن اللغة تعطي وتأخذ، ولا يمكن أن يستمر دورها في العطاء ما حرمت من المنح وتقديم الزاد.