إن الذي حدث -وما يزال يحدث- في حالتنا نحن العرب أن بعض علمائنا في العصر الحديث كفوا عن الابتكار وجانبوا التفكير العلمي المبدع، وقنعوا في بعض الحالات بالتقليد والنقل. ومن الطبيعي أن نقل الفكرة الأجنبية أو تقليدها يستتبع حتما وبالضرورة نقل الوسائل اللغوية المعبرة عنها، واستخدام مصطلحاتها الفنية. والمعروف أن العالم المبتكر أو الباحث المنشئ لا يجد صعوبة في العثور على أدوات تعبيره اللغوي ومصطلحاته. إن هذه الأدوات حاضرة في ذهنه بصورة من الصور، لأن انشغال الفكر بالابتكار تصحبه عادة صور لغوية مهزوزة أو غائمة في أول الأمر، وهي بمثابة القوالب أو الأطر التي تصلح لاحتواء الفكر أو الحقائق التي يشغل بها الباحث الأصيل نفسه، وما عليه بعد إلا أن يخلص هذه الصور اللغوية من غموضها ويعمل على بلورتها، وذلك بصوغها في النهاية في أشكال لغوية واضحة، معبرة خير تعبير عن فكره وحقائقه.
فلو أن علماءنا عمدوا إلى مثل هذا النهج في التفكير العلمي لضمنا ثروة لغوية عربية تواكب ما ينتجون من علم وتفي بحاجات متبكراتهم، لارتباط الجانبين "الفكري واللغوي" ارتباطا وثيقا وجودا وعدما. أما التبعية في التفكير العلمي فلا مناص لها من التبعية اللغوية.
وليس من المبالغة في شيء أن نقرر مع ما قرره باحثون آخرون في هذا الشأن من أن "الدعوة إلى استعمال اللغات غير العربية في دراسة العلوم لم تنبعث من عدم إمكان تيسير استعمال العربية في العلوم الجديدة، ولا هي رد فعل على موقف متين في الدفاع عن الفصحى بمفهومهم الضيق لها، إنما هي منبعثة من دافع نفسي أعمق، وهو مدى ضعف إدراكهم لكيانهم العربي ومدى رغبتهم في الحفاظ عليه وتنميته. إن موقفهم لا ينبعث من اعتقادهم بعجز