وخلاصة الرأي في هذا الموضوع كله -موضوع تعريب العلوم ونقل المصطلحات الأجنبية - أو التعريب ينبغي أن يكون تعريبا فكريا ولغويا معا، وهو بهذا المعنى مطلب قومي وعلمي واجتماعي. أما من الناحية القومية فالتعريب من شأنه أن يردنا إلى ذوات أنفسنا فننظر في طاقاتنا وكفاياتنا، ونعمل على استغلالها أو توظيفها في بلورة هويتها وتأكيدها، بحيث يصبح لها وزن ونوع خصوصية تصونها من الضياع أو الذوبان أو التبعية وسط هذا الحشد الهائل من القوميات والأيديولوجيات المتصارعة على التفوق وانتزاع السيطرة على العالم. ولا يكون ذلك -بالطبع- إلا باكتمال العدد والأدوات التي تؤهلنا للوقوف على أرض صلبة، تحمي شخصيتنا أو تفرقها بين القبائل. وأولى هذه العدد والأدوات ومصدرها الحقيقي يتمثل في الفكر الأصيل ومشاركته الفعالة بسلاح العلم الذي يضمن لنا موقعا ذا خصوصية عربية.
والتعريب من الوجهة العلمية هو بمثابة المرآة الكاشفة عن شخصيتنا، وهو الدليل على أهليتنا لاكتساب موقع يحمي حقيقتنا ويمكنها من الانطلاق نحو عالم أوسع وأرحب من الفعالية والمشاركة الإيجابية. إن التعريب ييسر سبل التحصيل والاستيعاب والهضم للدارسين، وينشط محصولهم اللغوي، الذي -بدوره- يعمل على تنشيط الفكر وتعميقه، بحيث يخرج لنا زادا عربيا أصيلا نشارك به في المسيرة العلمية في العالم، وليس من اللائق علميا أن ندور في فلك الآخرين بالاعتماد على لغاتهم والتفكير بها، وهو في رأينا تفكير لا جذور له ولا عمق فيه، لأنه موظف في الأساس في التقليد أو مجرد النقل عنهم.
والانصراف عن تجربة التعريب الفكري واللغوي، بالاعتماد على المحصول المعرفي المصدر إلينا أو المستورد من الخارج لا بد أن يجرنا -عاجلا