للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهمزة في هذا الموضع إنما يرجع إلى معاملته لها معاملة حروف العلة، كما بينا سابقا، وهذه النظرة الخاطئة هي السبب الحقيقي في هذا الاضطراب الذي نتج عنه عدم معرفته بمخرجها الصحيح.

وهذا المسلك نفسه سلكه صاحب التهذيب حيث يروى عن الخليل أنه قال: "وأقصى الحروف كلها العين". ثم يؤلف الحروف فيبدأ بالعين فالحاء فالهاء، ويضع حروف العلة في نهاية الترتيب، ولكنه -بعكس ما جاء في العين- يغفل ذكر الهمزة١.

الجهة الثانية:

يفهم من رواية ابن كيسان السابقة أن الخليل كان يرى أن الهاء أسبق من الحاء، ولكنه أخرها لخفائها، على حين يفيد كلام الخليل في أكثر من موضع أن الهاء تعقب الحاء -لا تسبقها- أو هي قريبة منها في موقع عام واحد. قال الخليل: "فأقصى الحروف كلها العين ثم الحاء، ولولا بحة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها من العين. ثم الهاء ولولا هتة في الهاء، وقال مرة: "ههة"، لأشبهت الحاء لقرب مخرج الهاء من الحاء، فهذه ثلاثة أحرف في حيز واحد، بعضها أرفع من بعض ... "٢. ثم يؤكد هذه النظرة بترتيب الألفباء -في أكثر من سياق- واضعا الهاء بعد الحاء. ولم يخرج كلام الأزهري في التهذيب عن هذا المعنى الذي ينقله عن الخليل بالألفاظ والعبارات ذاتها تقريبا، كما يتبعه في هذا الترتيب الذي أشرنا إليه٣.

وليس يعني كل ما تقدم على أية حال أن العرب خانهم التوفيق في تعرف صوت الهمزة وخواصها المميزة لها. إنهم -باستثناء الخليل أو رواته وتابعيهم- استطاعوا الوقوف على أهم صفات هذا الصوت، وهي صفة


١ التهذيب جـ١ ص٤١، ٤٨.
٢ العين ص٦٤.
٣ التهذيب ص٤١، ٤٨.

<<  <   >  >>