للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الانفجار، أو الشدة، بحسب تعبيرهم، كما استطاعوا أن يعينوا موضعا عاما من مواضع النطق.

بل نزيد على ذلك فنقرر أن منهم من يدركون هذا الموضع أو المخرج إدراكا دقيقا، غير أنهم لا يملكون التعبير الفني الحديث. من هؤلاء مثلا الزركشي صاحب "البرهان" الذي يصرح بأن "الهمزة من الرئة" وأنها "أعمق الحروف"١. فكونها أعمق الحروف مخرجا "ومعها الهاء، على ما هو معروف" حكم دقيق بارع، وأما التعبير عن مخرجها بالرئة بدلا من الحنجرة، فسببه -فيما نعتقد- شعوره القوي بالحفز الواضح والواقع على هذا الجزء من الإنسان، نتيجة لضغط الهواء وانحصاره في الحنجرة وما تحتها، بسبب انطباق الوترين الصوتيين الواقعين في هذه الحنجرة. وهو شعور صحيح ووصف سليم لما يحدث بالفعل عند النطق بالهمزة. غير أن هذا العالم لم يستطع التعبير عن موضع النطق بالمصطلح "حنجرة" لاحتمال عدم معرفته بهذا المصطلح الذي لم يكن مشهورا بين لغويي العرب، بل كان مجهولا تماما لكثير من متقدميهم.

على أن هناك عالما عربيا فذا قدم لنا وصفا لكيفية حدوث الهمزة، أتى فيه بمعظم خواصها كما يراه البحث الصوتي الحديث. هذا العالم هو الشيخ الرئيس ابن سينا في رسالة صغيرة له تسمى "أسباب حدوث الحروف". يقول الشيخ في هذا الشأن:

"أما الهمزة فإنها تحدث من حفز قوي من الحجاب وعضل الصدر لهواء كثير ومن مقاومة الطرجهاري الحافز زمانا قليلا لحفز الهواء ثم اندفاعه إلى الانقلاع بالعضل الفاتحة وضغط الهواء معا"٢. فهذا الوصف ينتظم خاصتين


١ البرهان في علوم القرآن للزركشي جـ١ ص١٦٨، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
٢ أسباب حدوث الحروف لابن سينا ص٩.

<<  <   >  >>