للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمناقشة واسعة لكثير من المصطلحات التي وضعت قبل ظهور الكتاب ورأيه فيها والمصطلح الذي ارتضاه وأسباب ذلك، وهي في ذاتها دراسة لعلم المصطلح اللغوي انفرد بها هذا الكتاب عما قبله وعما بعده أيضا.

والحق أنه بظهور هذ الكتاب عام ١٩٦٢ اكتملت لأول مرة في اللغة العربية الصورة العلمية لعلم اللغة، أو بمعنى أدق الجانب النظري فيما يسمى بالبنيوية الوصفية في دراسة اللغة من حيث الأصول العامة ومستويات التحليل. وقد استطاع هذا الكتاب أن يهز ويزعزع -على الأقل دخل الجامعة- الكثير من الأفكار التي قام عليها التفكير اللغوي التقليدي، فزلزل فكرة اكتمال علوم اللغة العربية بما طرحه من مبادئ وأصول فكانت التفرقة بين دراسة اللغة من حيث هي ظاهرة إنسانية عامة ودراسة اللغة من حيث هي لغة معينة أمرًا لم يلتفت إليه أحد من القدماء وكثير من المحدثين قبل ظهور هذا الكتاب، كما وضح أيضا فكرة التطور اللغوي من حيث الفرق بين الدراسة الآنية syncronic أو الوصفية والدراسة التعاقبية Dycroinc أو التاريخية، كما حدد وأشاع الفرق بين دراسة اللغة المنطوقة ودراسة اللغة المكتوبة، كما طرح الكتاب أيضا مبدأ الموضوعية والعلمية في الدراسة اللغوية، من حيث اعتماده على وصف اللغة وتحليلها دون تقويمها أو الحكم عليها، فليست هناك من الناحية اللغوية الخالصة لغة أفضل من لغة ولا لهجة أجمل من لهجة. ومن ثم أصبحت اللغة العربية كغيرها من اللغات، يمكن أن يطبق عليها ما يطبق على اللغات الأخرى من نظريات، وأن تحلل بمناهج وطرق لم يعرفها القدماء، وإن امتازت عن غيرها من اللغات، وطبقا لمعايير غير لغوية دينية أو حضارية.

على هذا النحو من الدقة والوضوح والشمول ظهر هذا الكتاب في أوائل العقد السابع من هذا القرن، والذي نضع بين يدي القارئ طبعته الثانية دون أضافة أو حذف، وعلى الرغم من مرور هذه السنوات الطوال، ما زال الكتاب مطلوبا يقرأ ويرجع إليه، وما زالت المكتبة اللغوية العربية تفتقر إلى مثله مع ما طرأ من تطور هائل في حقل هذا العلم منذ وفاة هذا العالم الجليل ولو امتد به العمر لكان أجدر من يقوم بذلك.

رحم الله أستاذنا الدكتور محمود السعران وتغمده بعفوه ومغفرته وأسكنه جنته.

حلمي خليل

الإسكندرية في ٢٠/ ١/ ١٩٩٢م

<<  <   >  >>