يستقبل الخادم سيده محييا "صباح الخير" وينطقها بحيث نفهم من نطقه، ومما سبق ذلك من أحداث أنه يشير إلى تلك الطامة الكبرى التي توشك أن تصيب سيده، أو ذلك الموقف الحرج الذي يوشك أن يقيد به نفسه.
وقد تصدر هذه العبارة نفسها من خادمة لسيدها، ويصحب نطقها الناعم اللين المنغم على وجه خاص حركات من جسمها تفصح عن الرغبة والإغراء، فلهذه العبارة في هذا الحال معنى غير معنى التحية، إنها دعوة الجنس واشتهاؤه.
وقد يوجه هذه "التحية" رئيس لمرءوسه متأفقا متسخطا لأنه تأخر عن عمله، وكان تأخره سببا في خسارة جسيمة، وهكذا من عشرات المعاني التي يحددها مثل ما ذكرنا.
فأين أي معنى من هذه المعاني التي أوضحناها من "المعنى القاموسي"؟ إن القاموس يعرفنا أن "صباح الخير! " هي تحية الصباح، وقد يحدد زمان استعمال هذه التحية إن لم تكن مستعملة في تاريخ اللغة من أوله إلى لحظة الدرس، وقد يزيد فيحدد مكان استعمالها، إن كانت مستعملة في بيئة دون بيئة من البيئات الكلامية التي تستعمل هذه اللغة، إن القاموس بطبيعته لا يستطيع أن يحصر جميع السياقات التي تقع فيها هذه العبارة، وكل عبارة، وكل كلمة من كلمات اللغات وعباراتها، وإن فصل فهو لا يفصل إلا في إيراد "أنواع" من دلالات الكلمة أو العبارة، وهكذا يظل تحديد معنى الكلام محتاجا إلى مقاييس وأدوات أخرى غير مجرد النظر في القاموس.
إن معنى "الكلام" لا يتأتى فصله بأية حال من الأحوال عن "السياق" الذي يعرض فيه.
٢- أما النصوص المدونة في الكتب القديمة مثلا، فإنه يخفى علينا من ظروف قولها أشياء كثيرة، وقد نضطر إلى إعادة تصور بعض ما يمكن تصوره من هذه العناصر، وقد لا نوفق في هذا، وقد نوفق فيه إلى درجة محدودة، ولكن عنصرا هاما يغيب عنا إدراكه وهو "نطق" الكلام، ما يبرزه هذا النطق من معنى أو معان: إن النطق قد يحدد أن الكلام "استفهام" مثلا حيث يحتمل النص المدون وحده أن يكون استفهاما أو تقريرا مثلا، وقد يثبت أن العبارة تفيض سخرية حيث