للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفهم من النص المسجل المقطوع الصلة بالحياة أنه تمن أو رجاء ولكن هذا أدعى في الوقت نفسه إلى أن يتخذ علم الدلالة منهجا تاريخيا خاصا لدراسة النصوص القديمة، ولتعقب تطور معاني الكلام، وإنه ليتخذ هذا المنهج، بالإضافة إلى دراسة المعنى من الناحية الوصفية.

٣- إن تحديد المعنى أمر على جانب كبير من الصعوبة، وإنا لنلاحظ هذا في استعمالاتنا اليومية للكلام، وإن كثيرا مما يصيبنا في حياتنا من خلافات، ومشقات، والآم، مرجعه أننا لا نعرف بصورة واحدة معنى ما نقوله، أو ما يقال لنا، أو ما نسمعه، أو نقرؤه. فالصعوبة في إدراك المعنى، والخلاف عليه ليسا مقصورين على "اللغة الأدبية" أو "النصوص القديمة" في لغتنا، ولا على لغة أجنبية أخذنا منها بنصيب، إنهما ليعدوان هذا إلى لغتنا التي نستعملها في حياتنا اليومية، والتي لا نجيد من اللغات مثلها.

وهذا أمثلة تبين كيف أن تحديد المعاني ليس بالأمر اليسير:

١- كلمة مثل "أول" نراها سهلة واضحة ولا يدور بخلدنا أنها قد تثير جدلا. ولكن ما معنى كلمة أول في قوله تعالى من سورة آل عمران: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} .

نفهم من السياق أن البيت المقصود هو الكعبة المشرفة فهل المقصود أنها أول ما بني على ظهر الأرض؟ لقد ذهب إلى ذلك بعض المفسرين. ونعلم من آيات أخرى أن الله عز وجل أمر سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء الكعبة وقد كان قبلهما خلق كثير. ولذلك يقول بعض المدققين من المفسرين: إن المقصود بالأولية هنا أن الكعبة أول بيت بني لعبادة الله وحده.

فكلمة "أول" البسيطة العادية لما وقعت في تركيب من التركيبات أثارت الخلاف بين علماء اللغة أنفسهم.

٢- وكلمة "أم" و"ابن" كلمتان مألوفتان لا يخامرنا شك، أول ما نسمعهما مفردتين، في أنهما يدلان على غير ما نعرف لكل منهما من معنى، ولكن عندما يقول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري.

والأرض حارت أتلقى الفجر ضاحكة

لأمها الشمس أم تبكي ابنها القمرا؟

<<  <   >  >>