فالشمس عنده أم الأرض، وجدة القمر، ولن ينص أي قاموس على هذه العلاقة. هذا من المجاز، وليس من اليسير أن يحصر قاموس مجازات اللغة كلها إلا إذا أحصى كلام المتكلمين كلهم في جميع أحوالهم. وفي جميع عصور اللغة، وتوهم ما سيخلقونه من ألوان المجاز، وهذا مستحيل من غير شك.
٣- وعندما تقول رابعة العدوية في مخاطبة الذات الإلهية:
أحبك حبين حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلي بحبك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك لي الحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاك
فهي تتحدث عن حب خاص بها، وهذا التفصيل في نوع الحب: حب الهوى، وحب الأهلية للحب لن تجد إشارة إليه في أي معجم من معاجم اللغة. هذه زاهدة تتحدث عن تجربة صوفية خاصة بها فالشخصية شخصية المتكلم والتجربة ركنان أصيلان من عناصر كثيرة لازمة لفهم المعنى.
وهذا يذكرنا بالعبارة المشهورة عبارة الحلاج وهي:"أنا الحق" كيف نفهم هذه العبارة ما لم ندرس حياة قائلها ونتبين شخصيته ونتعلم تصوفه، ونضع أيدينا على التجارب التي مر بها؟
٤- وكنت من وقت أجدد صلتي بالشعر الجاهلي فقرأت أبيات الأعشى:
ولقد شربت الخمر تر ... كض حولنا ترك وكابل
كدم الذبيح غريبة ... مما يعتق أهل بابل
باكرتها حولي ذوو الـ ... آكال من بكر بن وائل
نحن لا نستعمل الآن عبارة "ذوو الآكال" ولو حاولنا أن نفسرها تفسيرا عقليا اعتمادا على أصوات كلمة "آكال" لوقعنا في خطأ بالغ، فهذا منهج شديد الخطورة في تفسير معاني الكلمات:"الآكال" من "الأكل" فهل المقصود أنه شرب الخمر وحوله ناس يأكلون، أو ناس معروفون بولعهم بالأكل؟ أو ناس يبيعون الأكل؟