ومقارناته بين المدارس اللغوية، وخاصة عندما يتصل الأمر بدراسة المعنى كما سنرى فيما بعد.
ولعل من أهم الأصول التي طرحها الدكتور السعران في كتابه، فكرة "العلمية" Scientificness، فالفضل يرجع إليه في شيوعها وتوضيحها؛ إذ علم اللغة عنده، موضوع محدد يدرس اللغة دراسة علمية موضوعية، أي يدرسها بغرض الدراسة ذاتها التي تسعى إلى الكشف عن حقيقتها، دون التطرق في هذه الدراسة إلى أهداف أخرى، تعليمية أو تربوية أو علمية، كما لا يدرس اللغة بهدف ترقيتها أو تصحيح جوانب منها أو تعديل أخرى، ومن ثم فإن علم اللغة مقصور عنده على وصف اللغة وتحليلها بطريقة علمية موضوعية.
وتأتي أهمية هذه الفكرة مع التسليم بها الآن، من جدتها -آنذاك- بالنسبة للفكر اللغوي العربي، فلم تكن الدارسة اللغوية عند العرب، حتى ظهور هذا الكتاب، على هذا النحو من الضبط والموضوعية والتحديد، وكانت فكرة العلمية في دراسة اللغة فكرة غائمة قد تقال ولكن لا تفهم على النحو الذي شرحه وفصله في الكتاب.
وتحليل اللغة عنده يبدأ من البنية، غير أن اللغة -كما نعلم- ليست مجرد بنية، وإنما هي بنية ذات صلة بظواهر أخرى لغوية وغير لغوية، ولذلك نراه يتوقف أمام علاقة اللغة بهذه الظواهر، مثل علاقة اللغة بالكلام ووظيفته، ويعتمد في تحديد هذه الوظيفة على مفهوم اللغة من حيث هي نظام من الرموز والإشارات الاصطلاحية، ومن يتوقف أمام مفهوم "دي سوسير" للرمز اللغوي وماهيته، لينتهي إلى أن اللغة تشترك مع طائفة أخرى من النظم السمعية والبصرية في الطبيعة الرمزية.
ولما كانت اللغة أيضا ذات صلة بالظواهر الاجتماعية، أو قل هي ظاهرة اجتماعية معقدة١، يرى الدكتور السعران أن دراستها تحتاج إلى الاستعانة بعلوم أخرى، مثل علم الاجتماع وعلم وظائف الأعضاء، بل بالتاريخ والجغرافيا
١ حول مفهوم الدكتور السعران حول اجتماعية اللغة. انظر: كتابه القيم، اللغة والمجتمع، رأي ومنهج، الطبعة الثانية، دار المعارف الإسكندرية ١٩٦٣م.