وإليك مثالا آخر القصد منه التقريب والتوضيح كذلك، وهو مستمد هذه المرة من الميدان الفسيولوجي: إن كلا منا يحمل أجهزة لها نظمها وأصولها، ولكن جهلنا بهذه النظم لا يعني أن هذه الأجهزة، في الأحوال العادية، لا تؤدي وظيفتها، أو أنها تخطئ في تأدية هذه الوظيفة، أو أنها "لا تجيد" تأديتها. إن جهل إنسان عادي بكيفية حدوث عملية الإبصار لا يعني أنه لا يبصر، كما أن جهله بكيفية حدوث السمع، واللمس، والشم، والهضم والدورة الدموية، لا ينتج عنه أن هذ الوظائف لا تتحقق في جسمه. إن كلا منا يحمل هذه الأجهزة المنظمة في ذاتها، ثم يأتي العلماء المتخصصون فيقررون حقائق هذه النظم. ويظهرنا تاريخ العلوم على أن هذا الوصف كان قاصرا أو خاطئا في وقت من الأوقات لقصور الوسائل أو الخطأ في هذا الأساس أو ذاك، أو لغير هذا من الأسباب، صحح ودقق من بعد لما حسنت الوسائل، ودقت المناهج والأصول وهكذا. وقد تصل الدراسة العلمية مستقبلا إلى إضافة تفسيرات كثيرة إلى ما نعرفه الآن، أو إلى تغيير في بعض الأصول، وهكذا.