للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاتصال. وهي إذا سمعت فإنما تسمع اتفاقا كما يسمع نباح كلب، أو وقع خطى مقتربة، أو زفيف الريح. وهي إذا كانت تحمل "معنى" إلى السامع فما ذلك إلا من قبيل قولنا: إن أي صوت، أو كل صوت، لا بل أي ظاهرة طبيعية على الإطلاق، تحمل "معنى" إلى الذهن المدرك. وهكذا فاعتبار الصرخات غير الإرادية المعبرة عن الألم مثلا، والتي تمثل بـ! OH "أوه" رمزا كلاميا حقيقيا مساويا لفكرة مشابهة مثل "إني لفي ألم شديد" ليس إلا من قبيل السماح بتفسير ظهور السحاب بأنه رمز مماثل يؤدي هذه الرسالة: "السماء على وشك أن تمطر".

هذه الملاحظة. ملاحظة أننا تحت وطأة الانفعال ننطق بأصوات لا إرادية يرى السامع أنها دالة على الانفعال نفسه، قد أدت بكثيرين إلى أن يروا في "الصرخات الانفعالية، الموجودة في اللغات مثل OH "أوه" AH "آه"! sh "ش! " شيئا مطابقا للأصوات الغريزية.

ويحذرنا سابير من الوقوع في هذا الخطأ قائلا: إن هذه الصرخات صرخات "اصطلاحية"١، ما هي إلا "تثبيت اصطلاحي"٢ للأصوات الغريزية الطبيعية، ومن هنا كان ما يبدو من تشابه بين بعض الصرخات في لغات مختلفة كأنها تنتمي إلى عائلة واحدة، وما يبدو في الوقت نفسه، من اختلاف بينها للبصير المدقق، فالتشابه مرجعه إلى أن هذه الصرخات قد قدمتها نماذج أصلية عامة هي الأصوات الغريزية، لا إلى أنها ناتجة عن أساس غريزي عام، والاختلاف الحاصل بين هذه الصرخات في اللغات المختلفة مرده إلى أنها قد تكونت نتيجة للتقاليد اللغوية الخاصة، وللأنظمة الصوتية، وللعادات الكلامية لأصحاب كل لغة. إن هذه الصرخات "متعلقة" بنماذجها الأصلية الطبيعية تعلق الفن، الذي هو شيء اجتماعي، أو ثقافي، بالطبيعة.

وإذ قد تبين أن الصرخات، وهي أقرب الأصوات اللغوية إلى النطق الغريزي، ليست لها طبيعة غريزية إلا بصورة سطحية، وضح أنه لو فرض أنه من الممكن إثبات أن اللغة كلها ترد في أسسها التاريخية والنفسية إلى الصرخات، فلن


١ Conventional.
٢ Conventional Fixation.

<<  <   >  >>