للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- ويرجع دي سوسير السبب في أن السميولوجيا لم يصبح، حتى زمنه١، علما منفردا مع أن له كما لأي علم آخر موضوعه الخاص، إلى أننا هنا ندور في دائرة مفرغة؛ ذلك لأنه لا شيء، من ناحية، أجدر من اللغة بأن يفهمنا طبيعة المشكلة السميولوجية، ولكن من أجل أن نضع هذه المشكلة الوضع المناسب يجب أن ندرس اللغة في ذاتها.

إن عالم النفس يدرس آلية العلامة٢ عند الفرد، وهذ أيسر منهج في دراسة العلامة. ولكنه لا يؤدي إلى ما وراء التنفيذ، أو التحقيق٣ الفردي للعلامة، إنه لا يبلغ العلامة التي هي اجتماعية بطبيعتها. ولكن عندما ندرك أن العلامة يجب درسها من الناحية الاجتماعية، فنحن لا نذكر من اللغة إلا تلك السمات التي تربطها بنظم اجتماعية أخرى، تلك التي تعتمد كثيرا أو قليلا، على إرادتنا، وهكذا نمر إلى جوار الهدف مهملين الخصائص والسمات التي لا يتصف بها إلا الأنظمة السميولوجية بوجه عام، واللغة بوجه خاص؛ ذلك لأن العلامة تعتمد دائما، إلى درجة ما، على الإرادة الفردية أو الاجتماعية، وهنا صفتها الجوهرية وهذه الصفة لا تبين أوضح بيان إلا في اللغة، ولكنها تتمثل في الأشياء التي لا ندرسها إلا أهون دراسة، وهكذا لا يحسن الناس إدراك ضرورة وجود علم سميولوجي، أو لا يرون الفائدة التي يمكن أن يقدمها ذلك العلم. أما نحن -"أي دي سوسير"- فنرى على النقيض من ذلك، أن المشكلة اللغوية هي قبل كل شيء مشكلة سميولوجية، وكل تقدم أحرزناه في علم اللغة يستعير أهميته من هذه الحقيقة الهامة.

٣- وقال دي سوسير، إنا إذا أردنا أن نكشف الطبيعة الحقيقية للغة، فيجب أن ندرسها أولا من حيث ذلك الذي تشترك فيه مع سائر الأنظمة المنتمية إلى نفس النوع. قال: إن بعض العوامل اللغوية التي تبدو لأول وهلة ذات أهمية بالغة "كدور جهاز النطق الإنساني مثلا" يجب ألا تدرس إلا في المنزلة الثانية إذ إنها في الحقيقة لا تعين إلا على تمييز اللغة من سائر الأنظمة "السميولوجية".


١ توفي دي سوسير سنة ١٩١٣.
٢ La mecanisme du Signe.
٣ Execution.

<<  <   >  >>