للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فتحسنت في عيني، وبدا ما أذهب الكلف عنها، وزحف أبو السائب وزحفت معه، ثم تغنت:

برح الخفاء فأيما بك تكتم ... ولسوف يظهر ما تسرّ فيعلم

ممّا تضمن من غريرة (١) قلبه ... يا قلب إنك بالحسان لمغرم

يا ليت أنّك يا حسام بأرضنا ... تلقي المراسي طائعاً وتخيّم

فتذوّق لذّة عيشنا ونعيمه ... ونكون إخواناً فماذا تنقم فقال أبو السائب: إن نقم هذا فأعضه الله تعالى بكذا وكذا من أبيه، ولا يكنى، فزحفت مع أبي السائب حتى فارقنا النمرقتين، وربت العجفاء في عيني كما يربو السويق بماء مزنة، ثم غنت:

يا طول ليلي أعالج السقما ... إذ حلّ (٢) كلّ الأحبّة الحرما

ما كنت أخشى فراقكم أبداً ... فاليوم أمسى فراقكم عزما فألقيت طيلساني، وأخذت شاذكونة (٣) فوضعتها على رأسي، وصحت كما يصاح على اللوبيا بالمدينة، وقام أبو السائب فتناول ربعة (٤) في البيت فيها قوارير ودهن، فوضعها على رأسه، وصاح صاحب الجارية وكان ألثغ: قوانيي، يعني قواريري، فاصطكت القوارير وتكسرت، وسال الدهن على رأس أبي السائب وصدره، وقال للعجفاء: لقد هجت لي داء قديماً، ثم وضع الربعة. وكنا نختلف إليها حتى بعث عبد الرحمن بن معاوية صاحب الأندلس فابتيعت له العجفاء، وحملت إليه.


(١) الأغاني: عزيرة.
(٢) ق ودوزي: أدخل.
(٣) الشاذكونة: مضربة كبيرة.
(٤) الربعة: جونة العطار.

<<  <  ج: ص:  >  >>