للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ واحدةٌ فقال أكفلنيها وعزّني في الخطاب " لا إله إلاّ الله، أنت ملك قد وسّع الله تعالى عليك، ومكّن لك في الأرض، ويحملك الحرص على ما يفنى أن تضم إلى جنّتك الواسعة العظيمة قطعة أرضٍ لأيتام حرّمت بها حلالها، وخبثت طيبها، ولأن تحجبت عني بسلطانك، واقتدرت عليّ بعظم شأنك، فنجتمع غداً بين يدي من لا يحجب عن حق، ولا تضيع عنده شكوى.

فلمّا استوعب قراءتها دمعت عيناه، وأخذته خشية خيف عليه منها، وكانت عادته رحمه الله تعالى، وقال: عليّ بالمشتغلين ببناء الصمادحية، فأحضروا، فاستفسرهم عمّا زعم الرجل، فلم يسعهم إلاّ صدقه، واعتذروا بأن نقصها من الصمادحية يعيبها في عين الناظر، فاستشاط غضباً وقال: والله إنّ عيبها في عين الخالق أقبح من عيبها في عين المخلوق، ثمّ أمر بأن تصرف عليه، واحتمل تعويرها لصمادحيته. ولقد مرّ بعض أعيان المرية وأخيارها مع جماعة على هذا المكان الذي أخرجت منه جنّة الأيتام فقال أحدهم: والله لقد عورت هذه القطعة هذا المنظر العجيب، فقال له: اسكت، فوالله إنّ هذه القطعة طراز هذا المنظر وفخره، وكان المعتصم إذا نظر إليها قال: أشعرتم أنّ هذا المكان المعوج في عيني أحسن من سائر ما استقام من الصمادحية ثمّ إن وزيره ابن أرقم لم يزل يلاطف الشيخ والأيتام حتّى باعوها عن رضىً بما اشتهوا من الثمن، وذلك بعد مدة طويلة، فاستقام بها بناء الصمادحية، وحصل للمعتصم حسن السمعة في الناس، والجزاء عند الله تعالى.

١٥٠ - ولمّا مات المعتصم بن صمادح ركب البحر ابنه وليّ عهده الواثق عز الدولة أبو محمد عبد الله (١) ، وفارق الملك كما أوصاه المعتصم والده وفي ذلك يقول (٢) :


(١) انظر الحلة ٢: ٩٠ حيث سماه " أبو مروان عبيد الله ".
(٢) الشعر في المغرب ٢: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>