للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حباها الله به من اعتدال الهواء، وعذوبة الماء، وكثافة الأفياء، وأن الإنسان لا يبرح فيها بين قرّة عينٍ وقرار نفسٍ:

هي الأرض لا وردٌ لديها مكدّرٌ ... ولا ظلّ مقصورٌ ولا روضٌ مجدب أفقٌ صقيلٌ، وبساطٌ مدبّجٌ، وماءٌ سائحٌ، وطائرٌ مترنمٌ بليلٌ، وكيف يعدل الأديب عن أرضٍ على هذه الصفة؟ فيا سموأل الوفاء، ويا حاتم السماح، ويا جذيمة الصفاء، كمّل لمن أمّلك النعمة بتركه في موطنه، غير مكدّرٍ لخاطره بالتحرك من معدنه، ملتفتاً إلى قول القائل (١) :

وسوّلت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى منه في الغدر فإن أغناه اهتمام مؤمّله عن ارتياد المراد، وبلّغه دون أن يشد قتباً ولا أن ينضي عيساً غاية المراد، أنشد ناجح المرغوب، بالغ المطلوب:

وليس الذي يتّبّع الوبل رائداً ... كمن جاءه في داره رائد الوبل وربّ قائلٍ إذا سمع هذا التبسط على الأماني: ماله تشطّط، وعدل عن سبيل التأدب وتبسّط؟ ولا جواب عندي إلاّ قول القائل:

فهذه خطّة مازلت أرقبها ... فاليوم أبسط آمالي وأحتكم وما لي لا أنشد ما قاله المتنبي في سيف الدولة (٢) :

ومن كنت بحراً له يا عليّ ... لم يقبل الدّرّ إلاّ كبارا انتهى المقصود منه.


(١) هذا البيت من شعر الأعمى التطيلي يقوله في إزعامه مفارقة إشبيلية. (انظر ديوانه: ٤٩) .
(٢) شرح الواحدي: ٥١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>