للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: وجهوا إليه، فوافاني رسوله مع دابة بسرج محلىً ثقيل، فسرت إليه، ودخلت المجلس، وأبو جعفر غائب، فتحفز المجلس لدخولي، وقاموا جميعاً لي، حتى طلع أبو جعفر علينا ساحباً ذيلاً لم أر أحداً سحبه قبله، وهو يترنم، فسلمت عليه سلام من يعرف قدر الرجال، فرد رداً لطيفاً، فعلمت أن في أنفه نعرة ر تخرج إلا بسعوط الكلام، ولا ترام إلا بمستحصد النظام، ورأيت أصحابي يصيخون إلى ترنمه.

فقال لي ابن الحناط، وكانكثير الانحاء علي، جالباً في المحافل ما يسوء إلي: إن الوزير حضر قسيم، وهو يسألنا إجازته، فعلمت أني المراد، فاستنشدته، فأنشد:

مرض الجفون ولثغةٌ في المنطق ... فقلت لمن حضر: لا تجهدوا أنفسكم، فما المراد غيري، ثم أخذت الدواة فكتبت:

سببان جرّا عشق من لم يعشق ...

من لي بألثغ لا يزال حديثه ... يذكي على الأحشاء جمرة محرق

ينبي فينبو في الكلام لسانه ... فكأنّه من خمر عينيه سقي

لا ينعش الألفاظ من عثراتها ... ولو آنها كتبت له في مهرق ثم قمت عنهم، فلم ألبث أن وردوا علي، وأخبروني أن أبا جعفر لم يرض بما جئت به من البديهة، وسألوني أن أحمل مكاوي الهجاء على حتاره، فقلت:

أبو جعفرٍ كاتبٌ محسنٌ ... مليح سنا الخطّ حلو الخطابه

تمّلأ شحماً ولحماً وما ... يليق تملّؤه بالكتابه

له عرقٌ ليس ماء الحياء ... ولكنّه رشح ماء الجنابه

جرى الماء في سفله جري لينٍ ... فأحدث في العلو منه صلابه

<<  <  ج: ص:  >  >>