للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخطيب المجيد رؤوس المنابر بفرائد الكلام، وحلى الكاتب الأديب المجيد صدور المزابر من فوائد الأعلام، وكحل الحكيم الطبيب الأريب المفيد من إثمد المحابر بمراود الأقلام عيون أوراق.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي ابتدأ الخلق من غير مثال وبرا، وقسم العباد إلى حاضر وباد وظاهر وخامل وقاصر وكامل تشير إليه بالأنامل أيدي الكبرا، وأبدى في اختلاف ذواتهم وأعراضهم وتباين أدواتهم وأغراضهم وتغاير ألسنتهم وأمكنتهم وأزمنتهم وألوانهم وأكوانهم ومناصبهم ومناسبهم عبرا، وجعل الدنيا لمن أتيح صغراً أو كبراً، ولبس منهم مسوحاً أو حبراً، وأخلد إلى الأرض أو صعد منبراً، جسراً إلى الآخرة ومعبراً، وحكم - وهو الفاعل المختار - على الجميع بالموت فكان لمبتدإهم خبرا، فيا له من داء أعيا كل معالج أو راقٍ.

فسبحانه من إله انفرد بوجوب القدم والبقا، واختص بفضله من شاء فارتقى، وعم تعالى ذوي السعادة والشقا، بالحدوث وألفنا، وأذاق من فراق الدنيا كل من فيها بلا ثنا (١) ، ممن وفق فنفى عن جفنه وسنا، أو خذل فجر في ميدان الاغترار رسنا، وزين له عياذاً بالله سوء عمله فرآه حسناً، طعم شعوب (٢) المر الجنى، فلم يغن عن ذوي الغنى والغنا، وأهل السناء والسنا، من استظهروا به من أرباب الصوارم والقنا، وأصحاب النظم والنثر والجدال والفخر والمدح والثنا، فأولئك ألقوا السلاح مذعنين، مستبصرين موقنين، إذ جاء الحق وزهق الباطل وولى الامترا، وهؤلاء تركوا الاصطلاح معلنين (٣) ، عالمين أنهم لم يكونوا في التمويه محسنين، وكيف لا وقد اضمحل


(١) الثنا - بكسر الثاء وضمها - إعادة الشيء مرتين، أو الرجوع فيه. وفي ق ك ج: ثنيا.
(٢) طعم: مفعول به للفعل " أذاق ". وشعوب: اسم للمنية.
(٣) ط: معلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>