قلت: عهدة هذه الأمور على ناقلها، وأنا بريء من عهدتها، وإن ذكرها ابن بشكوال وصاحب المغرب وغير واحد فإنّها عندي لا أصل لها، وأيّ وقت بعث عثمان إلى الأندلس؟ مع أن فتحها بالاتفاق إنّما كان زمان الوليد، وإنّما ذكرت هذا للتنبيه عليه، لا غير، والله أعلم.
[وصف ابن سعيد للأندلس]
قال ابن سعيد: وميزان وصف الأندلس أنها جزيرة قد أحدقت بها البحار، فأكثرت فيها الخصب والعمارة من كل جهة، فمتى سافرت من مدينة إلى مدينة لا تكاد تنقطع من العمارة ما بين قرى ومياه ومزارع، والصحارى فيها معدومة. وممّا اختصّت به أن قراها في نهاية من الجمال لتصنّع أهلها في أوضاعها وتبييضها، لئلا تنبوالعيون عنها، فهي كما قال الوزير ابن الحمارة فيها (١) :
لاحت قراها بين خضرةٍ أيكها ... كالدّرّ بين زبرجدٍ مكنون ولقد تعجبت لما دخلت الديار المصرية من أوضاع قراها التي تكدّر العين بسوادها، ويضيق الصدر بضيق أوضاعها، وفي الأندلس جهات تقرب فيها المدينة العظيمة الممصّرة من مثلها، والمثال في ذلك أنّك إذا توجهت من إشبيلية فعلى مسيرة يوم وبعض آخر مدينة شريش، وهي في نهاية من الحضارة والنّضارة، ثم يليها الجزيرة الخضراء كذلك، ثم مالقة، وهذا كثير في الأندلس، ولهذا كثرت مدنها وأكثرها مسوّر من أجل الاستعداد للعدوّ، فحصل لها بذلك التشييد والتزيين، وفي حصونها ما يبقى في محاربة العدو ما ينيّف
(١) محمد بن الحمارة الغرناطي أبو عامر، تلميذ ابن باجة، كان بارعاً في علم الألحان وصناعة الأعواد (ترجمة في بغية الملتمس ص: ٥١٧ والمغرب ٢: ١٢٠ وسيذكره المقري باسم " أبو الحسين علي بن الحمارة "، فلعله شخص آخر.