للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عودٌ إلى ذكر إشبيلية]

وقال بعضهم في إشبيلية: إنها قاعدة بلاد الأندلس وحاضرتها، ومدينة الأدب واللهو والطرب، وهي على ضفة النهر الكبير، عظيمة الشأن، طيبة المكان، لها البر المديد، والبحر الساكن، والوادي العظيم، وهي قريبة من البحر المحيط؛ إلى أن قال: ولو لم يكن لها من الشّرف إلا موضع الشّرف المقابل لها المطلّ عليها المشهور بالزيتون الكثير الممتد فراسخ في فراسخ لكفى (١) ، وبها منارة في جامعها بناها يعقوب المنصور، ليس في بلاد الإسلام أعظم بناء منها. وعسل الشرف يبقى حيناً لا يترمّل ولا يتبدّل، وكذلك الزيت والتين.

وقال ابن مفلح (٢) : إن إشبيلية عروس بلاد الأندلس، لأن تاجها الشرف، وفي عنقها سمط النهر الأعظم، وليس في الأرض أتم حسناً من هذا النهر، يضاهي دجلة والفرات والنيل، تسير القوارب فيه للنزهة والسير والصيد تحت ظلال الثمار، وتغريد الأطيار، أربعة وعشرين ميلاً، ويتعاطى الناس السّرج من جانبيه عشرة فراسخ في عمارة متصلة ومنارات مرتفعة وأبراج مشيدة، وفيه من أنواع السمك ما لا يحصى. وبالجملة فهي قد حازت البر والبحر، والزرع والضّرع، وكثرة الثمار من كل جنس، وقصب السكر، ويجمع منها القرمز الذي هو أجلّ من اللّك (٣) الهندي، وزيتونها نخزن تحت الأرض أكثر من ثلاثين سنة، فيخرج منه أكثر ممّا يخرج منه وهو طري، انتهى ملخصاً.

ولما ذكر ابن اليسع الأندلس قال: لا يتزوّد فيها أحد ماءً حيث سلك، لكثرة أنهارها وعيونها، وربما لقي المسافر فيها في اليوم الواحد أربع مدائن، ومن


(١) لكفى: سقطت من ط ج ق، اكتفاء، وفي دوزي: لكفاها.
(٢) لعله المؤرخ إبراهيم بن محمد بن مفلح (- ٨٨٤) قاضي دمشق (الضوء اللامع ١: ١٥٢) .
(٣) قد تقدم ذكر القرمز وأنه نوع من المن الذي يجمع عن الشجر، أما الملك فإنه مادة شبيهة به تدخل في تركيب الأدوية (ابن البيطار ٤: ١١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>