فلما دارت الكأس، وتمكن الأنس، وغنيت أصواتاً ذهب الطرب بابن عمار كل مذهب، فارتجل يخاطب الرشيد:
ما ضر أن قيل إسحاق وموصله ها أنت أنت وذي حمص وإسحاق
أنت الرشيد فدع من قد سمعت به وإن تشابه أخلاق وأعراق
لله درك داركها مشعشعة واحضر بساقيك ما قامت بنا ساق
وكان الرشيد هذا أحد أولاد المعتمد النجبا، وله أخبار في الكرم يقضي الناظر فيها من أمرها عجبا، وكذلك إخوته، وقد ألمعنا في هذا الكتاب بجملة من محاسنهم، وأمهم اعتماد الملقبة بالرميكية هي التي ترجمناها في هذا الموضع، واقتضت المناسبة ذكر أمر بني عباد، فلنعد إلى ما كنا بصدده من أخبارها رحمها الله تعالى، فنقول:
رجع إلى ذكر الرميكية
قال ابن سعيد في بعض مصنفاته: كان المعتمد كثيراً ما يأنس بها، ويستظرف نوادرها، ولم تكن لها معرفة بالغناء، وإنما كانت مليحة الوجه، حسنة الحديث، حلوة النادر، كثيرة الفكاهة، لها في كل ذلك نوادر محكية، وكانت في عصرها ولادة بنت محمد بن عبد الرحمن، وهي أبدع منها ملحاً، وأحسن افتناناً، وأجل منصباً، وكان أبوها أمير قرطبة، ويلقب بالمستكفي بالله، وأخبار أبي الوليد ابن زيدون معها وأشعاره فيها مشهورة، انتهى ملخصاً.
ومن أخبار الرميكية القصة المشهورة في قولها " ولا يوم الطين " وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين، فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطيب، وذرت في ساحة القصر حتى عمته، ثم نصبت الغرابيل، وصب فيها ماء الورد على أخلاط الطيب، وعجنت بالأيدي حتى عادت كالطين