للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما زالت عقارب تلك الداخلة تدب، ثو ذكر الفتح تمام هذا الكلام فراجعه فيما مر بنحو ثلاث ورقات.

ومن حكايات مجالس أنسه أيام ملكه، قبل أن ينظمه صرف الدهر في سلكه، ما حكاه الفتح (١) عن ذخر الدولة أنه دخل عليه في دار المزينية (٢) والزهر يحسد إشراق مجلسه، والدر يحكي اتساق تأنسه، وقد رددت الطير شدوها، وجودت (٣) طربها ولهوها، وجددت كلفها وشجوها، والغصون قد التحفت بسندسها، والأزهار تحيي بطيب تنفسها، والنسيم يلم بها فتضعه بين أجفانها، وتودعه أحاديث آذارها ونيسانها، وبين يديه فتى من فتيانه يتثنى تثني القضيب، ويحمل الكأس في راحة أبهى من الكف الخضيب، وقد توشح وكأن الثريا وشاحه، وأنار فكأن الصبح من محياه كان اتضاحه، فكلما ناوله الكأس خامرته سوره، وتخيل أن الشمس تهديه نوره، فقال المعتمد:

لله ساف مهفهف غنج قد قام يسقي فجاء بالعجب

أهدى لنا من لطيف حكمته في جامد الماء ذائب الذهب

ولما وصل لورقة استدعى ذا الوزارتين القائد أبا الحسن ابن اليسع ليلته تلك في وقت لم يخف فيه زائر من مراقب، ولم يبد فيه غير نجم ثاقب، فوصل وما للأمن إلى فؤاده وصول، وهو يتخيل أن الجو صوارم ونصول، بعد أن وصى بما خلف، وودع من تخلف، فلما مثل بين يديه آنسه، وأزال توجسه، وقال له: خرجت من إشبيلية وفي النفس غرام طويته بين ضلوعي، وكففت فيه غرب دموعي، بفتاة هي الشمس أو كالشمس إخالها، لا يجول قلبها ولا خلخالها، وقد قلت في يوم وداعها، عند تفطر كبدي وانصداعها:


(١) القلائد: ٩.
(٢) ق م: المرينية؛ القلائد: المزنية.
(٣) ق: وجردت؛ وفي القلائد: وقد رددت الطير شجوها، وجددت طربها وشجوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>