للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في أموره، غير متطاول ولا مبذر، غير سالك نهج الترف والتأنق في اللذة والنعيم، إذ ذهب صدر عمره في بلاده بالصحراء في شظف العيش، فأنكر على من أغراه بذلك الإسراف، وقال له: الذي يلوح لي من أمر هذا الرجل - يعني المعتمد - أنه مضيع لما في يده من الملك، لأن هذه الأموال الكثيرة التي تصرف في هذه الأحوال لا بد أن يكون لها أرباب لا يمكن أخذ هذا القدر منهم على وجه العدل أبداً، فأخذه بالظلم وإخراجه في هذه الترهات من أفحش استهتار، ومن كانت همته في هذا الحد من التصرف فيما لا يعدو الأجوفين متى تستنجد (١) همته في ضبط بلاده وحفظها، وصون رعينه والتوقير لمصالحها ولعمري لقد صدق في كل ذلك.

ثم إن يوسف بن تاشفين سأل عن أحوال المعتمد في لذاته: هل تختلف فتنقص عما عليه في بعض الأوقات فقيل له: بل كل زمانه على هذا فقال: أفكل أصحابه وأنصاره على عدوه ومنجديه على الملك ينال حظاً من ذلك فقالوا: لا، قال: فكيف ترون رضاهم عنه فقالوا: لا رضى لهم عنه، فأطرق وسكت، وأقام عند المعتمد على تلك الحال أياماً.

وفي أثنائها (٢) استأذن رجل على المعتمد ودخل وهو ذو هيئة رثة، وكان من أهل البصائر، فلما مثل بين يديه قال: أصلحك الله أيها السلطان، وإن من أوجب الواجبات شكر النعمة، وإن من شكر النعمة إهداء النصائح، وإني رجل من رعيتك حالي في دولتك إلى الاختلال، أقرب منها إلى الاعتدال، ولكنني مع ذلك مستوجب لك من النصيحة ما للملك على رعيته، فمن ذلك خبر وقع في أذني من بعض أصحاب ضيفك هذا يوسف بن تاشفين يدل على أنهم يرون أنفسهم وملكهم، أحق بهذه النعمة منك، وقد رأيت رأياً، فإن آثرت الإصغاء


(١) في الأصول: تستجد؛ وفي دوزي: يستجد همة.
(٢) ابن خلكان: وفي بعض تلك الأيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>