للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإخاء، فما كان إلا وشيكاً من الزمان، ولا عجب قصر زمن الوصلة أن يشكوه الخلان، ورد وارد رنق المشارب، وحقق قول " ومن يسأل الركبان عن كل غائب " (١) ، أنبأ باستئثار الله تعالى بنفسه الزكية، وإكنان درته السنية، وانقلابه إلى ما أعد له من المنازل الرضوانية، بجليل ما وقر لفقده في الصدور، وعظيم ما تأثرت له النفوس لوقوع ذلك في الصدور، حناناً للإسلام بتلك الأقطار، وإشفاقاً من أن يعتور قاصدي بيت الله الحرام من جراء الفتن عارض الإضرار، ومساهمة في مصاب الملك الكريم، والولي الحميم، ثم عميت الأخبار، وطويت طي السجل الآثار، فلم نر مخبراً صدقاً، ولا معلماً بمن استقر له ذلكم الملك حقاً.

وفي أثناء ذلك أحفزنا للحركة عن حضرتنا استصراخ أهل الأندلس وسلطانها، وتواتر الأخبار بأن النصارى أجمعوا على خراب أوطانها، ونحن أثناء ذلكم الشان، نستخبر الوارد (٢) من تلكم البلدان، عما أجلى عنه ليل الفتن بتلكم الأوطان، فبعد لأي وقعنا منها على الخبير، وجاءنا بوقاية حرم الله بكم البشير، وتعرفنا أن الملك استقر منكم في نصابه، وتداركه الله تعالى منكم بفاتح الخير من أبوابه، فأطفأ بكم نار الفتنة وأخمدها، وأبرأ من أدواء النفاق ما أعل البلاد وأفسدها، فقام سبيل الحج سابلاً، وتعبد طريقه لمن جاء قاصداً وقافلاً، ولما احتفت بهذا الخبر القرائن، وتواتر بنقل الحاضر له والمعاين، أثار حفظ الاعتقاد البواعث، والود الصحيح تجره حقاً الموارث، فأصدرنا لكم هذه المخاطبة المتفننة الأطوار، الجامعة بين الخبر والاستخبار، الملبسة من العزاء والهناء ثوبي الشعار والدثار، ومثل ذلكم الملك رضوان الله عليه من تجل المصائب لفقدانه، وتحل عرى الاصطبار بموته ولات حين أوانه، لكن الصبر أجمل ما ارتداه ذو عقل حصين، والأجر أولى ما اقتناه ذو دين متين، ومثلكم من لا يخف وقاره، ولا يشف عن ظهور الجزع الحادث اصطباره، ومن خلفكم فما مات ذكره، ومن


(١) تمامه: فلا بد أن يلقى بشيراً وناعياً.
(٢) ق: نستجير الوارد.

<<  <  ج: ص:  >  >>