للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدهم من الخير الجزيل انبسطت نفوسهم، وتحققت آمالهم، وهبت رياح النصر عليهم، وقالوا له: قد قطعنا الآمال ممّا يخالف ما عزمت عليه، فاحضر إليه فإنّنا معك وبين يديك، فركب وأصحابه فباتوا ليلتهم في حرس إلى الصبح، فلمّا أصبح الفريقان تكتّبوا وعبّوا جيوشهم، وحمل لذريق وهو على سريره؛ وقد حمل على رأسه رواق ديباج يظلّله، وهو مقبل في غابة من البنود والأعلام، وبين يديه المقاتلة والسلاح، وأقبل طارق في أصحابه عليهم الزّرد، من فوق رؤوسهم العمائم البيض، وبأيديهم القسيّ العربية، وقد تقلّدوا السيوف، واعتقلوا الرماح، فلمّا نظر إليهم لذريق حلف وقال: إن هذه الصور هي التي رأيناها ببيت الحكمة ببلدنا، فداخله منهم الرّعب، فلمّا رأى طارق لذريق قال: هذا طاغية القوم، فحمل وحمل أصحابه معه، فتفرقت المقاتلة من بين يدي لذريق، فخلص إليه طارق فضربه بالسيف على رأسه، فقتله على سريره، ولم تقف هزيمة العدو على موضع، بل كانوا يسلمون بلداً بلداً ومعقلاً معقلاً.

" ولمّا سمع موسى بن نصير بما حصل من النصرة لطارق عبر الجزيرة بمن معه، ولحق مولاه طارق، فقال له: يا طارق، إنّه لن يجازيك الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يمنحك (١) الأندلس، فاستبحه هنيئاً مريئاً، فقال له طارق: أيّها الأمير، والله لا أرجع عن قصدي هذا، ما لم أنته إلى البحر المحيط أخوض فيه بفرسي، يعني البحر الشمالي الذي تحت بنات نعش، ولم يزل طارق يفتح وموسى معه إلى أن بلغ إلى جلّيقيّة وهي ساحل البحر المحيط، انتهى.

وقال الحافظ الحميدي في كتابه " جذوة المقتبس " (٢) : " إن موسى بن نصير


(١) ابن خلكان: يبيحك.
(٢) انظر هذا النص في الجذوة - ترجمة طارق بن زياد: ٢٣٠ وقد نقله ابن خلكان أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>