للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التابوت المقفلان بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك من فيها من أيديهم، وبطلت حكمتهم، فلمّا سمع لذريق ما في الرّقّ ندم على ما فعل، وتحقق انقراض دولتهم، فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى سمع أن جيشاً وصل من المشرق جهزّه ملك العرب ليفتح بلاد الأندلس " (١) انتهى.

فهذا هو بيت الحكمة الذي أشار إليه لذريق، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك كلّه.

على أن في هذا السياق مخالفة لما سنذكره عن بعض ثقات مؤرخي الأندلس وغيرهم في شأن المائدة وغيرها، وما ذر في هذه القصّة من جلب الماء من برّ العدوة إلخ. فيه بعد عندي، لأن بلاد الأندلس أكثر بلاد الله مياهاً وأنهاراً، فأنّى تحتاج إلى جلب الماء إليها من العدوة الأخرى؟ إلاّ أن يقال: إن المرأة أرادت تعجيز الرجل بذلك، واختبار حكمته حتى يفعل هذا الأمر الغريب، وعلم الله من وراء ذلك كلّه، وفوق كل ذي علمٍ عليم، ومنتهى العلم إلى الله الحكيم.

[عود إلى أخبار الفتح]

وقال ابن حيّان في المقتبس: ذكروا أن لذريق لم يكن من أبناء الملوك، ولا بصحيح النسب في القوط، وأنّه إنما نال الملك من طريق الغصب والتسوّر عندما مات إغطشة (٢) الملك الذي كان قبله، وكان أثيراً لديه، مكيناً، فاستصغر أولاده لمكانه، واستمال طائفة الرجال مالوا معه، فانتزع الملك من أولاد إغطشة واستبقاهم، فكانوا هم الذين دبّروا عليه - فيما ذكر - عندما لقي


(١) انتهى النقل عن ابن خلكان.
(٢) ك: غيطشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>