للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صارت عند لذريق وقعت عينه عليها فأعجبته وأحبها حبّاً شديداً، ولم يملك نفسه حتى استكرهها وافتضّها، فاحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سراً، بمكاتبة خفية، فأحفظه شأنها جدّاً، واشتدّت حميّته، وقال: ودين المسيح لأزيلنّ سلطانه (١) ، ولأحفرنّ تحت قدميه، فكان امتعاضه من فاحشة ابنته هو السبب في فتح الأندلس بالذي سبق من قدر الله تعالى.

ثم إن يليان ركب بحر الزّقاق من سبتة في أصعب الأوقات في ينير (٢) قلب الشتاء، فصار بالأندلس، وأقبل إلى طليطلة نحو الملك لذريق، فأنكر عليه مجيئه في مثل ذلك الوقت، وسأله عمّا لديه (٣) ولم جاء في مثل وقته؟ فذكر خيراً، واعتلّ بذر زوجته، وشدّة شوقها إلى رؤية بنتها التي عنده، وتمنيها لقاءها قبل الموت، وإلحاحها عليه في إحضارها، وأنّه أحبّ إسعافها، ورجا بلوغها أمنيتها منه، وسأل الملك إخراجها إليه، وتجيل إطلاقه للمبادرة بها، ففعل، وأجاز الجارية، وتوثّق منها الكتمان عليه، وأفضل على أبيها، فانقلب عنه. وذكوا أنّه لما ودّعه قال له لذريق: إذا قدمت علينا فاستفره لنا من الشّذانقات (٤) التي لم تزل تطرفنا بها فإنها آثر جوارحنا لدينا، فقال له: أيّها املك، وحقّ المسيح لئن بقيت لأدخلنّ عليك شذانقاتٍ ما دخل عليك مثلها قط؟ عرّض له بالذي أضمره من السعي في إدخال رجال العرب عليه وهو لا يفطن؟ فلم يتنهنه يليان عندما استقرّ بسبتة عمله أن تهيّأ للمسير نحو موسى بن نصير الأمير، فمضى نحوه بإفريقية، وكلمه في غزو الأندلس، ووصف له حسنها وفضلها، وما جمعت من أسباب (٥) المنافع، وأنواع المرافق،


(١) ك: ملكه وسلطانه.
(٢) " ينير " اسم الشهر: (Enero) كانون الثاني، وفي ك: صنبر، وصنبر: تعني شدة البرد.
(٣) زاد في ك: وما جاء فيه.
(٤) الشذانقات: الصقور.
(٥) ك: أشتات.

<<  <  ج: ص:  >  >>