للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما هذه الأشجار تحمل أكلها ... وتسقط منه كل ما طاب وانتهى [نكبة أبي جعفر ابن عطية]

وحكى غير واحد من مؤرخي الأندلس أن الكاتب الشهير الوزير أبا جعفر ابن عطية القضاعي (١) لما تغير له عبد المؤمن وتذاكر مع بعض من أهل العلم أبيات ابن عمار السابقة، قال: ما كان المعتمد إلا قاسي القلب حيث لم تعطفه هذه الأبيات إلى العفو، ووقع لابن عطية المذكور مثل قضية ابن عمار، واستعطف فما نفع ذلك وقتل رحمه الله تعالى، ولنلم بذلك فنقول:

كان أبو جعفر هذا من أهل مراكش، وأصله القديم من طرطوشة، ثم بعد من دانية، وهو ممن كتب عن علي بن يوسف بن تاشفين أمير لمتونة، وعن ابنيه تاشفين وإسحاق، ثم استخلصه لنفسه سالب ملكهم عبد المؤمن بن علي، وأسند إليه وزارته، فنهض بأعبائها، وتحبب إلى الناس بإجمال السعي والإحسان فعمت صنائعه، وفشا معروفه، وكان محمود السيرة، مبخت المحاولات، ناجح المساعي، سعيد المآخذ، ميسر المآرب، وكانت وزارته زيناً للوقت، وكمالاً للدولة، وفي أيام توجهه للأندلس وجد حساده السبيل إلى التدبير عليه والسعي به، حتى أوغروا صدر الخليفة عبد المؤمن عليه، فاستوزر عبد السلام بن محمد الكومي، وانبرى لمطالبة ابن عطية، وجد في التماس عوراته، وتشنيع سقطاته، وطرحت بمجلس السلطان أبياتاً منها:

قل للإمام أطال الله مدته ... قولاً تبين لذي لب حقائقه

إن الزراجين (٢) قوم قد وترتهم ... وطالب الثأر لم تؤمن بوائقه


(١) انظر الخبر عن أبي جعفر ابن عطية في المعجب: ٢٦٧ والإحاطة ١: ١٣٢ (ط. السلفية) وقد نقل المقري ما جاء في المصدر الثاني، حتى آخر رسالة ابن عطية؛ وإعتاب الكتاب: ٢٢٥.
(٢) الزراجين: لقب أطلقه الموحدون على الملثمين تشبيها لهم بطائر أسود البطن أبيض الريش يقال له الزرجان (نظم الجمان: ٨٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>