وما سمح له بمغادرة بلاد إسبانيا إلا بعد أن قدم له أولاده رهينة حتى يفي بوعده. فهل من حقه أن يفدي أولاده بهذا الثغر أم لا؟ وكان هذا السؤال امتحانا عسيرا للمتذممين من المفتين، ولذلك هرب جماعة منهم واختفوا عن الأنظار، وكان المقري واحدا من أولئك الذين لجأوا إلى الاختفاء.
غير أن هذه الحادثة لم تدفع بالمقري إلى مغادرة فاس، بل بقي فيها عدة سنوات أخرى، أحرز فيها منصب الإفتاء رسميا بعد وفاة شيخه محمد الهواري (١٠٢٢) . فهل ثمة من سبب مباشر دفعه إلى الرحلة عنها؟ يقول الأستاذ محمد حجي متابعا السيد الجنحاني:" وكان خروج المقري من فاس بسبب اتهامه بالميل إلى قبيلة شراكة (شراقة) في فسادها وبغيها أيام السلطان محمد الشيخ السعدي فارتحل إلى الشرق ... الخ "؛ ولكن المصادر لا تذكر شيئا عن هذا السبب، وكل ما قاله المقري نفسه " ثم ارتحلت بنية الحجاز، وجعلت إلى الحقيقة المجاز "، بل إنه استأذن عبد الله بن شيخ نفسه في السفر، فأذن له. غير أن إلصاق التهمة به ليس مستبعداً، فقد كان المقري عند هذا السلطان خيلت لبعض سكان تلك المدينة أن المقري ضالع مع سلطانه ومع تلك القبيلة نفسها ضد الفاسين. وبغير ذلك - أو ما يشبهه - لا يمكن أن نفسر عدم عودة المقري إلى المغرب، مع شدة حنينه إلى وطنه وقسوة ما لقيه في الترحال، وخاصة ما لحقه من المضايقات أثناء وجوده في مصر.