للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعديد، أما سمعت " إذا جاء الحين غطى العين "؟ (١) فقال: ما قصدت بما قلت لك تعديداً ولا تبكيتاً، وإنّما قصدت تلقيح العقل، وتنبيه الرأي، وأن (٢) أرى ما عندك؛ فقال موسى: أما رأيت الهدهد يرى الماء تحت الأرض عن بعد، ويقع في الفخ وهو بمرأى عينه؟ ثم كلم فيه سليمان، فكان من جوابه إنّه قد اشتمل رأسه بما تمكن له من الظهور، وانقياد الجمهور، والتحكم في الأموال والأبشار، على مالا يمحوه إلا بالسيف، ولكن قد وهبت لك دمه، وأنا بعد ذلك غير رافع عنه العذاب حتى يردّ ما غلّ من مال الله. قال: وآلت حاله إلى أن كان يطاف به ليسأل من أحياء العرب ما يفتكّ به نفسه، وفي تلك الحال مات، وهو من أفقر الناس وأذلهم، بوادي القرى، سائلاً من كان نازلاً به.

وقال أحد غلمانه ممّن وفى له في حال الفقر والخمول: لقد رأيتنا نطوف مع الأمير موسى بن نصير على أحياء العرب، فواحد يجيبنا (٣) ، وآخر يحتجب عنّا، ولربما دفع إلينا على جهة الرحمة الدرهم والدرهمين، فيفرح بذلك الأمير ليدفعه إلى الموكلين به، فيخففون عنه من العذاب، ولقد رأيتنا أيام الفتوح العظام بالأندلس نأخذ السلوك (٤) من قصور النصارى، فنفصل منها ما يكون من الذهب وغير ذلك ونرمي به، ولا نأخذ إلا الدّرّ الفاخر، فسبحان الذي بيده العزّ والذل والغنى والفقر.

قال: وكان له مولى قد وفى له وصبر عليه إلى أن ضاق ذرعه بامتداد الحال، فعزم على أن يسلمه وهو بوادي القرى في أسوإ حال، وشعر بذلك موسى، فخضع للمولى المذكور، وقال له: يا فلان، أتسلمني في هذه الحالة؟


(١) ك: غطى على.
(٢) ط: وأنا.
(٣) ق ط: يحيينا.
(٤) ك: السلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>